الرد على آل زلفة
الرد على آل زلفــة
بقلم الشيخ الدكتور
سعيد بن ناصر الغامــدي
مقال نشر في جريدة المدينة في 8/4/1424هـ بعنوان الفكر المحرض للإرهاب للدكتور محمد آل زلفة، يمثل نموذجاً للخطاب الإقصائي المتطرف، ومعلماً من معالم تصفية الحسابات بالجملة.
لقد دعا الدكتور إلى الاعتدال ونبذ أحادية الرأي، ولكنه مارس ذلك بجلاء في مقاله، فقد اطلق على صيغة التدين الموجود في بلدنا تلك نعوتا قاسية غير متوقعة من شخصية كشخصيته فيقول متحدثا عن غير(التفجيريين) ألفاظا من مثل ( من تلمس في لحنه بالقول التعاطف مع من قام بهذا العقل الشنيع ) ( تشدد ) ( مواقف عدائية من الآخر ) ( آراء دخيلة غريبة ) (منابر المساجد وحلقات الدرس [ وفيها الذين ] يكفرون بشكل ظاهر وعلني كل من لا يسير على طريقتهم) إلى آخر تلك النعوت التي تنم عن نفيسة مشحونة ببغض وتوتر وقسوة، نحو أكبر وأظهر وأعمق مظاهر مجتمعنا، إنها حقيقة التدين العامة الموجودة في هذه البلاد المباركة.
وليس من الحكمة ولا من العقل أن يدلق د/آل زلفة كل وقوده هذا على نيران ملتهبة،ومن أجل ماذا من أجل أن فئة شاذة لاتمثل وسطية التدين الشائعة ولا تمثل اعتدالية علماء ودعاة ومثقفي البلاد0
إن تطرفه هذا سيكون غذاء للفكر المتطرف الآخر، وهجومه الشديد هذا على مظاهر التدين وصيغه المنهجية والتعليمية بهذه اللغة المستنفزة ستكون أكبر تغذية لتيارات العنف،بل وأسهل الطرق لجعل آخرين يميلون إليهم أو يتعاطفون مع مشروعهم التدميري، فإن التطرف يقود إلى تطرف مقابل، والعنف اللساني أو القولي سيفاقم المشكلة ولا يوصل إلى حلول لها.
ليس في هذا القول أي دفاع عن أصحاب الغلو والعنف والتشدد،ولكنه معالجة لأسباب تكاثره ، وقطع لمبررات وجوده، وفي تقديري أن هذا المقال وأشباهه سيكون زادا وحجة لهؤلاء، بأن يقولوا لدعاة الوسطية والاعتدال انظروا ماذا يقال عنكم وعن علمائكم وعن مناهجكم،لماذا تقفون ضدنا ،ألم نقل بأن هناك من يستهدف الجميع ولا يفرق بين أحد،هناك من يريد استئصال حتى مادة الثقافة الاسلامية اليسيرة من جامعاتكم ،هناك من يعتبركم دخلاء أتباع لأفكار وافدة ،هناك من يعدكم (الفكر المحرض للإرهاب)،فلماذا تقفون ضدنا والدور آت عليكم ،ونحو ذلك من الأقوال والحجج التي تجد غذاءها من هذا المقال وأشباهه0
وإنني إذ أدعو إلى الوسطية والاعتدال التي هي السمة الأغلب لهذا البلد علماءً ودعاةً ومثقفين ومعلمين ومناهج تعليم ودعوة، فإنني أنادي بالتوقف عن استغلال الحدث وتهييج الناس وإشعال العواطف، وتحريك الكوامن، وتبادل التهم.
وعلى أهل التوسط والاعتدال معالجة المتطرفين من كلا الطائفتين بالحكمة حتى لا يتسع الخرق الاجتماعي، وكل عاقل عالم عادل حليم عليه مسؤلية مداواة أمراض هؤلاء المتطرفين من الطائفتين وردهم إلى الصواب والوسط والشرع الحكيم والرؤية المتزنة والعدل والاحسان.
فيعالج الشباب المتهور المنفعل العنيف بالطرق والوسائل المناسبة، ويعالج في الوقت ذاته التطرف المقابل الذي يستخدمه أصحاب العنف ذريعة ويستدلون به على صواب مسلكهم،وجودة اختيارهم،ومن المعروف في الدراسات السلوكية أن شدة التطرف تعزز الشدة في التطرف المقابل ،وأن العنف يقوي العنف المضاد،وذلك لا يعني إلغاء العقوبة عن المعتدي0
لا أدري لماذا يهاجم د/ آل زلفة الأحادية وكل مقاله يدل على أحادية غريبة متطرفة
ولا أعلم كيف يمكن أن نتعلم التسامح الوطني والتعايش الاجتماعي التي دعا إليها في مقاله وهو يطالب بشراسة إلى إلقاء الآخرين ( وهم أكثرية المجتمع ) إلى زبالة الإهمال ويدعو إلى قطع جذورهم التعليمية لأنها بزعمه من وضع ضيوف على المملكة،و ليس من وضع أفاضل نبلاء عقلاء صالحين على رأسهم وزير المعارف السابق حسن آل الشيخ عليه رحمة الله.
أين التعايش والحوار الذي يدعو إليه د/ آل زلفة وهو يشير إلى عموم التدين في هذا البلد بقوله ( لا أعتقد أن معالجتها ستكون مجدية إذا ما أوكل أمرها إلى من كان شريكاُ في صناعة الأخطاء وترسيخ المفاهيم الخاطئة التي نشكوا منها الآن بمرارة ) هل يعني بذلك إبعاد أصحاب الفضيلة العلماء والدعاة والمشائخ والقضاة والمثقفين وخطباء المساجد و معلمي المدارس وأعضاء الشورى وغير ذلك من ذوي السمت الإسلامي0
يادكتور محمد أنت في المملكة العربية السعودية ولست في تونس أو تركيا0
هل يمكن أن يعد هذا الطرح حيادية أو تسامحية، أم فئوية تدل على فكرة استئصالية، وتوحي بإقصائه تمتد لتصل إلى مناهج التعليم التي طالبت فئات معينة بتغييرها من أحداث 11/9 تناغماً مع الطلبات الأمريكية واهتبالاً لفرصة الضغط الأمريكي على هذه البلاد وحكامها وعقلائها ومثقفيها الذين يصفهم د/ آل زلفة بالبلاهة تحت عبارات شفقة مخففة هيحسن النية) و (النوايا الحسنة) التي كررهاأكثر من ثلاث مرات في مقاله.
أيها الأستاذ الدكتور لسنا بلهاء، ولسنا متطرفين ولسنا أغبياء، ولم تكن مناهجنا مفرخة للإرهاب كما زعمت بل هي التي أخرجت العمالقة في كل فنون العلم وتخصصات الحياة، أما إذا كنت متضايقاً من مادة الثقافة الإسلامية والتي هي مادة إلزامية للطلاب في جامعاتنا، فلك أن تبحث عن مكان آخر غير هذه الأرض المقدسة مهبط الوحي ومنبع الرسالة،
ما كنت أحسب أن يبلغ بإنسان الضغينة إلى هذا الحد الذي يطالب فيه بإلغاء حتى مادة الثقافة الإسلامية من الجامعات غير المتخصصة.
أليس هذا شاهداً كافياً على التطرف والغلو وإيقاد النيران بشكل أكبر وأشـد.
( فإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الله وإلى الرسول وأولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم )
إنه توجيه رباني واضح أن نرد أمورنا وحوادثنا ونوازلنا إلى العلم الصحيح وأهله، وأولي الأمر من المسلمين الذين يعيشون بمبادئ العلم الصحيح المزل من لدن حكيم حميد، ومقوماته وثقافته الإسلامية التي هي روح المجتمع وقوام وجوده واستمراره ووحدته، وهذا يقتضي أن لا ترد الأمور إلى متسرع ذي أغراض ومواقف من الثقافة الإسلامية ومناهجها ومن منابر الخير والدعوة والاصلاح وأهلها.
هذه المناهج أيها الموقر هي التي تخرج فيها مفتي البلاد وجملة من العلماء معه ورئيس مجلس الشورى ومعظم أعضائه، وقضاة المحاكم الشرعية وأساتذة الجامعات وأساتذة التعليم العام وغيرهم من الفضلاء والنبلاء الأخيار في هذا البلد من رجال ونساء.
وما كنت لأناقش د/آل زلفة في مقاله هذا لولا عمومية الطرح وميله عن سبيل العدل والحق و الإنصاف،فله مواقف متحيزة ، يشهد بذلك ماجرى في سنوات مضت إذ وقع على عريضة ضد مجموعة من علماء ودعاة هذه البلاد وشهد عليهم شهادات سيسأل عنها يوم القيامة، وهو حتى هذه الساعة لا يعرف جملة من هؤلاء الذين شهد ضدهم .
فهل يرتجى من كان هذا مقاله وتلك مواقفه إنصافاً أو عدلاً أو اعتدالاً