العبرة الثانية مما حدث للشثري
المتأمل في الحملة المنسقة التي شنها التيار العلماني الليبرالي ضد الشيخ سعد الشثري، يمكنه الخروج بنتائج عديدة مهمة في شأن الفكر والمجتمع السعودي، والمستقبل المتوقع لهذا المجتمع ومكوناته الأساسية.
ومن المناسب التذكير بأمور مهمة في هذا السياق من خلال النظر فيما أفرزته الحملة من نتائج:
الأمر الثاني:
أنه بالنظر إلى الوضع الداخلي للدولة السعودية والمجتمع السعودي يجد بعض المراقبين أنه قد مرّ بمراحل عديدة، منها التأسيس على أسس معينة، وجمع الشمل على هذه الأسس، ثم بقاء هذه الأسس معلناً عنها ومحترمة، مع صدع بالحرص على إبقائها بعيدة عن الازدراء والاستنقاص، فضلاً عن الاستبدال والاستعاضة، ثم حصول طفرة علمانية-في فترة من الفترات- متمثلة في اللوبي الناصري الاشتراكي العلماني الذي كانت كلمته مسموعة ورؤاه مستجاباً لها إلى حد ما، مع قدرة على التغلغل والتأثير من داخل القلعة، وعندما أدرك الأذكياء خطورة هذه اللعبة وأثرها الكبير على أسس المشروعية تمت الاستفاقة بعمل أبيض سريع أعاد الأمور إلى نصابها، وكان دور العلماء حاسماً حينها، وتم طرد حصان طروادة ومن فيه، لتأتي بعد ذلك مرحلة الاستقرار والاستمرار التي امتدت لعدة عهود، جاعلة من الدولة والمجتمع كياناً متجانساً في أمور عديدة وأحوال كثيرة، بل أعطت صورة معينة في أذهان الناس في الداخل والخارج، هذه الصورة تؤكد أصل المشروعية، وتقول بلسان المراقبين داخلياً وخارجياً بأن السعودية هي آخر القلاع التي صمدت أمام موجات التغريب والعلمنة التي اجتاحت العالم الإسلامي، وأورثت تناقضات داخلية متتالية ومتوالية.
فهل استمرت هذه المرحلة، وبقيت هذه الصورة أم عاد حصان طروادة من جديد؟
سؤال كبير وخطير، وإن كان كل المراقبين المشفقين يتحدثون عنه همساً أو تلميحاً لا يصل إلى حد التصريح الذي كتبه بعضهم عن خطورة البرامكة، في حين يتحدث عنه آخرون(مستفيدون) من هذا الوضع الجديد، يتحدثون بكثير من الغبطة والسرور والدعاية والمدائح المتوخية للإغراء بالمزيد، والهجوم المضاد الشرس على أي ناقد أو ناصح، ولو جاء كلامه مدبجاً بالثناء والأمنيات الطيبة في أوله وآخره. هجوم ميلشيات الليبرالية يتم دائماً، تحت شعارات النهضة والتقدم والرقي، والخروج من مآزق الثبات التي سار عليها من سبق، باعتبار أن هذا الثبات (على أسس المشروعية) ضرب من الجمود الذي لا يتوافق مع معطيات العصر، بل هو – بحسب رأيهم – الذي أدى إلى الضرر بالسمعة والمصلحة معاً.