العلاقات المبنية على مفاهيم ومعاني

لا يشترط لها أن تكون تلك المفاهيم متطابقة في كل شيء, وإنما المراد المفاهيم العامة, فإنه رغم الاختلافات الثقافية بين الدول والمجتمعات توجد ثمة قيم عامة مشتركة تعبر عن أفكار وعقائد وفلسفات تصوغ طرائق التعامل، وهي وإن كانت تتسمبطابع معرفي ذهني إلا أنها مؤثرة في الواقع الحياتي من حيث إمكانية بناء التحالفات والشراكات وإدارة الصراعات والأزمات, وصياغة المرجعية الاجتماعية العامة في داخل المجتمع الخاص ومع الذين تتشابه أفكارهم ومفاهيمهم بحكم الميل الطبيعي في الإنسان إلى الآخرين الذين يفكرون وينظرون للأمور بالمبادئ العامة نفسها، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا ليس مطلقًا في كل الأحوال؛ إذ يتدخل العامل الثاني أثناء الممارسة، فيتقدم؛ لقوة تأثير المصلحة وأثرها المباشر الملموس, ولكنه لا يلغي العامل الأول, فإنه بالرغم من ذلك يمكن أن ينظر إلى العلاقات بين الدول والمجتمعات على أساس القيم والمبادئ المشتركة, وهو نوع من التكيف الشعوري أواللاشعوري الذي يربط تلك العلاقات برباط معين لا يمكن إغفاله, وقد أشار القرآن إلى هذا المعنى في عدة آيات منها قوله تعالى:قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ.
أي يعمل على طريقة من يشاكله ويماثله (والمعنى أن كل أحد يعمل على ما يشاكل أصله وأخلاقه التي ألفها).
ومنها قوله تعالى:وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أوتَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.
وتدل الآية الكريمة على أن هناك علاقة سببية بين الأفكار والمفاهيم والمواقف العملية, وإن بعدت المسافات الزمانية والمكانية.
(وعندما يتكلم علماء الاجتماع عن المعتقدات فإنهم يقصدون بذلك مجموع التصورات الجماعية التي تعتبر صحيحة بالنسبة لمجتمع معين … وتشمل المعتقدات مروحة واسعة تبدأ من الرأي الشائع الذي يعتبره الجميع صحيحًا ولا ينتهي مع المعتقدات الدينية …) .
وبالنظر إلى الواقع نجد أن فلسفة القوة تأخذ مكانها في المجتمعات المادية وحكوماتها, من جهة أن القوانين الطبيعية تنتخب الأقوى في عملية بقاء الأجناس كما تزعم فرضية داروين، وأن الإنسان والمجتمعات الإنسانية ينطبق عليها المفهوم ذاته في عالم مستمر, مفصول عن القيمة، دائم الصراع من أجل البقاء للأصلح الذي هو الأقوى, وقد استعملت هذه النظرية وما تزال تستعمل على الظواهر الإنسانية التاريخية والاجتماعية, واتخذ منها الغرب مستندًا لتسويغ المشاريع الاستعمارية ومشاريع الهيمنة المباشرة وغير المباشرة على المجتمعات، (وقد وظفت الدارونية الاجتماعية في تبرير التفاوت بين الطبقات داخل المجتمع الواحد وفي الدفاع عن حق الدولة العلمانية المطلقة، وفي تبرير المشروع الإمبريالي الغربي على صعيد العالم بأسره, فالفقراء في المجتمعات الغربية وشعوب آسيا وإفريقية, والضعفاء على وجه العموم هم الذين أثبتوا أن مقدرتهم على البقاء ليست مرتفعة؛ ولذا فإنهم يستحقون الفناء أوعلى الأقل الخضوع للأثرياء ولشعوب أوربة الأقوى والأصلح) .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى