المؤثر الاجتماعي في تقبل الصدمة
المؤثر الاجتماعي في تقبل الصدمة
من العوامل المهمة في تشكيل شخصية الإنسان البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها، ومن الباحثين من يبالغ إلى حد الغلو في تحميل العامل الاجتماعي تبعات ما يحصل للأفراد من انحرافات وسلوكيات خاطئة، بل إن بعضهم يكاد يقصر التأثير على العامل الاجتماعي، وأنساقه الظاهرة والخفية، ومما لا شك فيه أن المجتمع له تأثير، ولكنه ليس العامل الوحيد المؤثر، فلا يصح إلغاء هذا العامل، كما لا يصح المبالغة في تحميله كل شيء، بيد أنه مهم في معرفة الحالات وتفسيرها وعلاجها، وحين يضاف إليه المؤثر العمري والنفسي والثقافي والحضاري يوشك أن يكتمل التصور والفهم.
إن من السهل جدًا، إلقاء تبعة الصدمات والانحرافات على المجتمع، أو بعض مكوناته كالأسرة أو الأصدقاء أو المدرسة أو الجامعة، وهذا ما يميل إليه بعض الباحثين، في حين أنه لا يكاد يوجد باحث أو مفكر يلغي دور المجتمع بالكلية، إذًا فلابد من التوازن والتوسط في هذا الأمر، وذلك بجعل كل مؤثر في حجمه الطبيعي، لتتزن الرؤية ويصح الاستنتاج، ويسلم الفهم والحكم.
ولطالما تحدث بعض الكتاب عن الكبت الاجتماعي وآثاره السلبية، أو عن المجتمع المحافظ (أي الذي لديه مجموعة مؤثرة من القيم الاعتقادية والأخلاقية)، وأنحوا باللائمة في الشذوذ السلوكي، والانحراف الأخلاقي، أو الفكري على ذلك، وهذا أو ذاك من الأمور المؤثرة، ولكنها ليست وحدها هي المؤثرة، بدليل أنه يوجد أسوياء ومنحرفين في المجتمع الواحد ذي السمات المشتركة، ولأن القضايا الاجتماعية المؤثرة في السلوك كثيرة، فإنه من الأفضل التركيز على أهمها، خاصة مما له علاقة بقضية الصدمة الثقافية أو الحضارية.
وابتداء، نشير إلى تعريف المجتمع، وهو مصطلح كثير التداول، مختلف التناول، متنوع المفاهيم، كمعظم المصطلحات في العلوم الإنسانية، ولعلنا نوجز التعريف أو بالأحرى المفهوم العام للفظ مجتمع، بما يتناسب مع ما نحن بصدده، مما له دلالة أشمل من تلك الدلالات القاصرة، التي اقتصرت على تعريف ما يسمونه المجتمع الدنيوي، أي العلماني، الذي يصفونه بأنه: هو الذي يتمسك بقيم نفعية وعقلانية، ولا يهتم بالمقدسات والقوى الخارقة للطبيعة، ولا بالقيم المتصلة بالتقاليد والنزعة المحافظة حسب تعبيرهم([1]).
والمجتمع من حيث اللغة:هو مكان الاجتماع، ويطلق على الجماعة من الناس الذين يجمعهم غرض واحد.
وفي الاصطلاح: مجموعة أفراد تربطهم علاقات معينة، وتجمعهم روح عامة، وقيم وتقاليد ومصالح وروابط مشتركة يخضعون لها، ويطلق لفظ المجتمع على أنواع عديدة من الاجتماع، ابتداء بالأسرة، ثم تتوسع الدائرة إلى القرية أو القبيلة أو الحي أو المدينة أو الدولة أو الإقليم أو الأمة التي ينتمي إليها الفرد، ولكل مجتمع مرجعية نهائية يتحرك في إطارها، وهي الفكرة الجوهرية التي تشكل أساس كل الأقطار والظواهر، وهي الركيزة الأساسية والنهائية الثابتة لرؤية الكون والإله والطبيعة والإنسان التي يتبناها المجتمع.
ولكل مجتمع من المجتمعات ظواهر عامة مشتركة بين جميع أفراده، حيث يولِّد الاجتماع في نفوس الأفراد كيفيات من الشعور والتفكير والإرادة والسلوك، يمكن أن يسمى الوعي الجماعي أو السلطة الاجتماعية المتفق عليها صراحة أو ضمنًا من خلال المعتقدات والقيم والنظم الحاكمة والأعراف السائدة والتقاليد المتبعة([3]).
وهذه الظواهر العامة فيها ما هو إيجابي نافع, وفيها ما هو سلبي ضار، ثم إن طريقة التعامل مع الإيجابي فيها ما يحقق النفع والمصلحة للفرد، وفيها ما ليس كذلك، أضف إلى ذلك أن طريقة استقبال الفرد لهذه الظواهر وطريقة تفاعله معها لها أثرها الخاص، فهناك من يتعامل مع الظواهر والعوامل الاجتماعية تعاملا غير سليم، ينعكس أثره على شخصيته وموقفه، وهناك من يكون تعامله يتسم بالتوازن والإدراك الجيد والمتميز، فيكون الأثر عليه من جنس تعامله، فاحترام الكبير وصلة الرحم وإكرام الضيف من الظواهر الاجتماعية عند المسلمين، وهي من القيم المحترمة، ولكنها قد تتحول إلى سلبية حينما يتحول احترام الكبير إلى تبعية عمياء يصادر فيها حق الفرد وتطمس فيها شخصيته، ويفرض عليه بسببها ما لا فائدة فيه ولا نفع منه، وبعض الأشخاص يتعامل مع هذه القيمة الاجتماعية بخضوع تام, أو بتمرد كامل ونفور واحتقار، وقل مثل ذلك في صلة الرحم وإكرام الضيف، والمحافظة على الشرف والعرض، وغير ذلك من القيم الاجتماعية الجيدة، التي لا تخلو من وجود طرفين ووسط في تقبلها والتعامل معها وتطبيق مقتضياتهاولوازمها.
وبهذا يتبين أن المؤثر الاجتماعي السلبي أو الإيجابي له أثر بذاته، وله أثر أكبر في كيفية تعامل الفرد معه، وفهمه له، وبذلك يحصل التفاوت بين الأفراد، في الأسرة الواحدة والمدرسة الواحدة والمجتمع الواحد، بل يحصل التفاوت بين الباحثين في تقدير الأثر الاجتماعي، وإدراك مدى توافقه مع الهوية والقيم في المجتمع المسلم.
وأضرب لذلك بباحث جاد كتب في موضوع الشباب العربي ومشكلاته([4])، وأفاض في الجانب الاجتماعي إفاضة واسعة لكنه عد بعض القيم والأعراف الاجتماعية سلبية، وجعلها سببًا في مشكلات الشباب، وهي من صميم الأخلاق الإسلامية، لا من حيث التطبيق الخاطئ لها، بل من حيث أصل وجودها، ولذلك حاول أن يرسم حلولا لهذه القضايا هي في ذاتها مصادمة لقيم وأخلاق المجتمع المسلم.
وأذكر على ذلك بعض الأمثلة الدالة على مدى الإشكال الذي يحصل عند تناول القضايا الاجتماعية سلبًا أو إيجابًا، فمن ذلك اعتباره (الإصرار على العذرية في المرأة)، نوعًا من التمييز الاجتماعي الخاطئ([5])، ونقده لقضية الفصل بين الذكور والإناث, واعتبار ذلك سببًا في استنفاد المجتمع جزءً كبيرًا من طاقاته وإمكانياته لإقامة الحواجز وحراستها، ويمتد ذلك الفصل -حسب انتقاده- إلى المرحلة الجامعية في بعض الحالات، ثم في السياق نفسه يعتبر أن من مصادر قلق الشباب وهمومهم الاعتقاد الذي تدفعه فيهم القيم والممارسات الاجتماعية، في أن الحب يتعارض مع الدين، وأنه ليس مجرد عيب، ولكنه من الجرائم([6])، حتى ليخال القارئ أن المؤلف يتحدث عن مجتمع غربي وليس عن مجتمع له روح وهوية هي الإسلام، الذي شمل بأحكامه كل أمور الحياة، ويواصل المؤلف حديثه عن مشكلة العلاقة بين الجنسين ويعدّ منها عدم وجود فرص للاتصال بالجنس الآخر، وقد يصل الأمر إلى حد تحريم الاتصال بالجنس الآخر، وعدم وجود فرص صحية مناسبة، ثم يضيف بأن أهم ما يثير تردد الشباب في إقامة علاقات مع الجنس الآخر الجهل الفاضح بأمور الجنس حسب تعبيره.