المعنى الاصطلاحي للمرجعية

مقطع من كتاب المرجعية للدكتور سعيد بن ناصر الغامدي يوضح فيه معنى المرجعية اصطلاحاً

المقصود به ما تواضع عليه أهل العلم في استعمالهم للفظ (مرجع) أو (مرجعية) وتحته عدة مدارك:
الأول: أن لفظ مرجع و مرجعية بمعنى الأصل الذي يرجع إليه في علم أو أدب أو شأن من الشؤون، لم يكن معروفاً في القديم، وإنما هو بهذا المعنى اصطلاح حادث.
الثاني: أن هذا المصطلح لا يتنافى مع اللغة بل هو على معيارها.
ففي التعريف اللغوي الذي مر تبين أن المعنى الأول من معاني (رجع) عودة الشيء إلى الشيء، وهو الأكثر استعمالاً، وهذا المعنى متحقق في مصطلح (مرجع) و (مرجعية) إذ حقيقته عودة السائل والباحث والعالم إلى أصل يستند إليه.
وكذلك المعنى الثاني وهو الرد مطلقا أو إلى أمر سبق، وليس المرجع والمرجعية بالمعنى المستعمل في هذا العصر إلا ردّا للقضايا والأمور إلى مستند مّا.
أما المعنى الثالث وهو المعاودة والمحاورة والجواب، فإن من اتخذ مرجعاً مّا فلا ريب أنه يعود إليه المرة بعد المرة ويطلب الجواب منه؛ لأنه النموذج العلمي والمعرفي الذي يصدر عنه.
الثالث : في مدى استعمال أهل العلم للفظ مرجع ومرجعية.
أولاً : لفظ (مرجع).
استعمل العلماء قديماً وحديثا هذا اللفظ مسندا إلى عدة أمور منها:
1 الإسناد إلى الذوات، ومن ذلك ما يسند إلى ذات الله تعالى، فيقال: (الحكم بما أنزل الله مرجعه إلى الله) أو (إلى الله المرجع والمآل) ونحو ذلك وهو كثير.
ومنه ما يسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقال (هذا الأمر مرجعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم) أو (المرجع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته) وكقول بعضهم (والمرجع إلى قوله أولى من فعله).
ومنه ما يسند إلى عالم أو علماء كأن يقال: المنقولات فيها كثير من الصدق وكثير من الكذب والمرجع في التمييز بين هذا وهذا إلى أهل علم الحديث، كما نرجع إلى النجاة في نحو العرب، ونرجع إلى علماء اللغة في معرفة ما هو من اللغة، والمرجع في الشعر علماء الشعر وفي الطب علماؤه. أو يقال في الفقه مثلاً: واختلفوا في مقدار الحبس في التهمة هل هو مقدر أو مرجعه إلى اجتهاد الوالي والحاكم على قولين.
أو يقال: تفسير القرآن ومعاني الحديث والكلام في الفقه والتوحيد هذه المرجع فيها إلى من كان من أهل العلم بها والتقوى لله فيها.
أو يقال في عالم معين: وإليه كان مرجع أهل الشام في الجرح والتعديل، أو كان مرجع الحنابلة في الديار المصرية.
أو يقال: الساحر والكاهن مرجع كل منهما للشياطين.
أو يقال: المرجع في القضايا الفطرية إلى أهل الفطر السليمة( ).
وأمثال هذا كثير في كلام علماء الإسلام.
2– الإسناد إلى علم معين أو إلى كتاب معين:
كأن يقال: والمرجع في إطلاق الألفاظ نفياً أو إثباتاً إلى ما جاءت به الشريعة.
أو يقال: المرجع في القُرَب والطاعات والديانات والمستحبات إلى الشريعة.
أو يقال: وإن قدر أن بعض العلماء خالف الآخر في مسألة أو مسائل فالمرجع فيما تنازعوا فيه إلى الكتاب والسنة( ).
3- الإسناد إلى معانٍ معينة:
كأن يقال: اسمان عليهما مدار الأسماء الحسنى كلها وإليهما مرجع معانيهما وهما الحي القيوم.
أو يقال: إن كان الاحتجاج بالعقل فالمرجع في ذلك إلى المعاني لا إلى العبارات.
أو يقال: الألفاظ إذا اختلفت في ذاتها وكان مرجعها إلى أمر واحد لم يوجب ذلك تناقضاً.
أو يقال: قال (السيدُ الله) إنما أطلقه لأن مرجع السيادة إلى معنى الرياسة على من تحت يده.
أو يقال: ما لم يقدّره الله ورسوله من الحقوق الواجبة فالمرجع فيه إلى العرف، ومن حلف لا يعمل عملاً فقال قولاً هل يحنث؟ أجيب بأن مرجع اليمين إلى العرف.
ومن هذا الباب ما يرد كثيراً في كتب اللغة والفقه وشروح الحديث من قولهم: ومرجع الضمير كذا ونحو ذلك( ).
ومن هذا الباب أيضاً ما أصبح معروفاً في الأبحاث العلمية المعاصرة من تسمية الكتب التي يأخذ منها الباحث (مراجع)( ).

ثانياً : لفظ (المرجعية):
لا يوجد هذا اللفظ في كتب اللغة القديمة، ولكنه في هذا العصر مستعمل بكثرة، كقولهم (معنى مرجعي) و (وظيفة مرجعية) و (خطأ مرجعي) و (نظرية المرجعية) و (مؤشر المرجعية)( ) ونحو ذلك من الألفاظ المتداولة في حقل الكتابات الفكرية والأدبية وغيرها.
ومن الملاحظ أن لفظ (مرجعية) مستعمل بكثرة في الطائفة الشيعية للتعبير عن مقام علمائهم وفقهائهم ومنزلتهم شبه المطلقة في الطاعة والإتباع.
والسؤال المطروح هنا هل يصح استعمال لفظ (مرجعيه) من جهة اللغة ثم من جهة الشرع.
أما من جهة اللغة فيمكن القول بأن هذا الاشتقاق صحيح لغةً، بناءً على أن باب الاجتهاد في اللغة مفتوح بشروطه وضوابطه، فيكون لفظ (مرجعية) مصدرا صناعيا محدثا يشبه لفظ (مذهبية ومدرسية ومنهجية) وهو مقبول من جهة اللغة قياساً؛ لأنه يتوافق مع أصله ولا يعارضه.
أما من جهة الشرع، فإن لفظ (مرجعية) يندرج ضمن قاعدة المصطلحات المحدثة التي بها يقاس صلاح المصطلح أو فساده، فما كان فاسداً يرد، وما كان صالحا يقبل، وما كان محتملا للصحة والفساد فلا يقبل بإطلاق ولا يرد بإطلاق، بل لا بد فيه من التفصيل، فيقبل الصواب ويرد الخطأ( ).
ومصطلح (مرجعية) من حيث هو يعتبر مصطلحاً صالحاً، بغض النظر عن طريقة استعماله، فهو يشبه مصطلح (عقيدة) من ناحيتين:
الأولى: أن كلا المصطلحين محدث.
الثانية: أنهما في أصلهما صالحين، ثم قد يدخل عليهما الفساد بالاستعمال، فإذا قيل عقيدة النصارى هي التثليث فإنه يشبه قولنا مرجعية النصارى هو الإنجيل مثلاً.
والمراد أن لفظ مرجعية لا يتعلق به مدح أو ذم أو حق أو باطل في ذاته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى