المفهوم العام للسنن الإلهية
يتحدث القرآن الحكيم عن سنن الله العامة في الكون على أنها دعامة النظام الكوني المتماسك بوشائج التوازن الذي يحكم به هذا النظام، فهذا الترابط المحكم بين عوالم الكائنات علويها وسفليها، وهذا التنسيق بين آحادها ومجموعاتها، وهذه الأوضاع المنسجمة التي تتراءَى في وضع كل كائن في مكانه من التركيب الكوني، وهذا الاتّساق في تقدير صلة كل عنصر من عناصر الكون بسائر العناصر؛ هو الإطار الذي تجمعت فيه الخطوط التي تصور سنن الله الكونية التي يتحقق بها جميع المخلوقات.
وقد بيّن القرآن ذلك في عديد من آياته فقال في سورة الحجر: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ}.
وقال في سورة الروم: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ}، وقال في سورة الدخان: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ. مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ} وتختص آية الإلهية، وذلك في نفي اللعب عن خلق السموات والأرض، وذلك يعني نفي الفوضى التي تعتمد المصادفات والأرض، ولهذا عقَّبَها القرآن بما رجع بالآية إلى أختيها آيتي الحجر والروم في بيان أن خلق السموات والأرض وما بينهما صدر منذ الأزل متلبساً بالحق، والحق هو الوجود الثابت الذي لا يتغير ولا يتبدل.
فالقرآن العظيم يرسم صورة للنظام الكوني في نماذج المخلوقات، يستبين منها أن الكون كله خاضع في نظام سيره في وحدة قائمة على اتساق في وضع وتركيب كل كائن في موضعه من نظام الكون العام، وهذا التماسك والاتساق بين ذرات الكون هو ما نعنيه بالتوازن المحكوم بسنن الله في هذا الكون العظيم.