حوار د. سعيد الغامدي مع شبكة الألوكة
أجراه معه: تهاني السالم
د/ سعيد بن ناصر يؤكد أنه في هذا العصر قد حصل شرخ كبير في الأمة، تمَّ الانحياز بسببه إلى مجموعتين متقابلتين متعارضتين، قائلاً “للألوكة”:
تجديد الخطاب هو حديث في الوسائل والأساليب، وهذه لا بد من تجديدها وتطويرها، وإلا أصبحنا كمن يقابل الدَّبابة بسيف!
ليس كلُّ علماني مرتبطًا بجهات خارجية؛ بل فيهم وطنيون لا يَقبلُون الارتهان ولا العمالة، وفيهم النشط المتحرِّك، والخامد الكسول!
إذا لم يتشكل التغيير بصفة اصطلاحية تجعله مذهبًا، فإنه يوجد في الحقيقة مَن يؤمن به بطريقة تؤكد أنه مذهب!
تحقيق الوَحدة الدعوية بين نُخب الصحوة؛ فذلك له رصيد في المبادئ والقيم، والمصالح والمفاسد!
تتعدد المذاهبُ والأفكار المعاصرة، وتتنوع الأطروحات الثقافية والفكرية في أمَّتنا العربية والإسلامية؛ ولأجل هذا التنوع والاختلاف في المشارب والرُّؤى استضافت “الألوكة” د/ سعيد بن ناصر الغامدي، الداعية والمفكر الإسلامي، في حوار عن:
الحداثة وأطيافها المتعددة، وكيف تعامَل الإسلاميون معها؟
وهل ما زال الصراع الليبرالي والإسلامي على أشدِّه أم خمدتْ جذوتُه؟
والاتهام القائل اليوم: إن الإسلاميِّينَ جامدون ومنغلقون؟
وما الإسلام الأمريكي؟
وغيرها من الأسئلة، فإلى مضابطِ هذا الحوار:
أطياف الحداثة:
* الحداثة وعاء يحتوي عددًا من الأطياف؛ فما أبرز أطياف الحداثة؟ ونريد نبذة عنها؟
يقول أحد دعاة الحداثة لدينا: إن الحداثة حداثات، وليست حداثة واحدة، مستهدفًا رسمَ صورة جميلة للحداثة؛ لتحلَّ مكان الصورة الرديئة التي حفرها زعماءُ الحداثة العرب منذ الأربعينيات الميلادية، ويصنِّف هذا الداعيةُ الحداثي في كتابه “حكاية الحداثة” حركةَ الحداثة إلى فريق الواقعية، الذي سمَّاه الداعيةُ بالانطباعيين كنوعٍ من التهوين والتقليل من شأنهم، أما الفريق الآخر فهو فريق (المدرسة النصوصية)، ويدخل فيه دعاة البنيوية والتشريحية، وينسبون أنفسَهم إلى حركة ما بعد الحداثة، كما أن صاحب الكتاب المذكور ذَكَر أطيافًا أخرى من الحداثيين، منهم حداثيُّو جيل الكعكة)، وهم أجيال الموجة الثانية الحداثية، التي بدأت من أواخر الستينيات، حتى جاءت الموجة الحداثية الثالثة في عام 1405/ 1985، والتي وصفها بالريادة والتحول الكبير بمجرد صدور كتاب “الخطيئة والتكفير”، وظهور المجدد الكبير، والذي صنف الحداثيين بعد هذه الفترة إلى حداثيين تقدميين وحداثيين رجعيين، وسمَّى منهم أشخاصًا ناقشوا أفكاره، وكشفوا بعض عيوب الحداثة وثغراتها المعرفية والإنسانية.
الصراع الإسلامي الليبرالي:
* العلمانية من المذاهب المعاصرة؛ فهل انتهى الصراع الإسلامي الليبرالي؟ وهل انطفأتْ جذوته أم زادت، خاصة مع هذه العولمة المعاصرة؟
كان الصراع القديم في الأمة يحصل بين فِرَق تنتمي إلى الدين الإسلامي بشتَّى درجات الانتماء، أما في هذا العصر فقد حصل شرخ كبير في الأمة، تمَّ الانحياز بسببه إلى مجموعتين متقابلتين متعارضتين: فئة تمثِّل هُويَّةَ الأمة وحضارتها، وفئة تمثل الفكرَ المستعار بشتَّى أنواعه وأطيافه ودرجاته، ولعل أظهر تسمية يمكن أن تَجمَع هؤلاء هي (الدنيوية)، المعروفة والمتداولة باسم (العلمانية)، ومن الطبيعي أن يبقى الصراع ما دامت هذه الفئة تصرُّ على التلاعب – كليًّا أو جزئيًّا – بهوية الأمة العقدية، أو التشريعيَّة، أو الأخلاقية، أو التلاعب بمصالحها وسيادتها، وما دامَت تنال الدعمَ من الغرب بشكل مباشر أو غير مباشر، والذي أراه أن هذا الصراعَ يزداد مع الأيام، ليس بسبب العولمة وحدها؛ ولكن لأن هذه هي طبيعة الأفكار والاتجاهات المتعارضة، فضلاً عن المتناقضة.
* هناك من الإسلاميين مَن يقلِّل مِن الليبرالية، وهناك مَن يضخمها؛ فهل هذا الأمر خَدَم العلمانيين؟ وكيف ذلك؟
الرؤية الحقيقية التي يُعلِّمنا إياها الإسلامُ تقوم على عدة أركان؛ منها:
1- رؤية ظاهر الأمر كما هو، مِن غير تهوين ولا تهويل.
2- رؤية أعماقه ومضامينه الكامنة وخلفياته، مِن غير توهُّم ولا تسطح.
3- الربط بين الظاهر والباطن برباط الحكمة التي تجعل الشيءَ في موضعه، بلا رغبويةٍ مخدرة، ولا رهبويةٍ مفترة.
إذا حصلتْ هذه الأركانُ – وقبلها الاستعانة بالله، واللجوء إليه – سنتجاوز ما جاء في السؤال مِن تقليل أو تضخيم، يضاف إلى ذلك أنه ليس كل مَن انتمى لتيار الأمة العظيم، واعتنق هُويتها – قادرًا على معرفة التيارات الفكرية وجذورها وارتباطاتها ومشروعاتها؛ بل ذلك من اختصاص المتمكِّنين علمًا وإدراكًا، والذين لديهم المنهجية العلمية المنضبطة شرعًا وعقلاً.
الشعارات البراقة وتوظيفها:
* أليس في اعتقادك أن الليبراليين وظَّفوا الشعارات البراقة والإعلام في إيصال الفكر العلماني، وساهموا في تغيير بعض القيم لدى العامة من خلال الإعلام والقنوات الفضائية؟ وكيف لنا أن نَرقَى ونُجدد أدوات الخطاب الديني بعيدًا عن التنظير؟ ولماذا حينما ننادي بتجديد وسائل الخطاب الديني نجد بعضَ الدعاة يتوجس خيفةً من هذا التجديد والتغيير؟
نَعَم، تمكَّن هؤلاء من الوصول لبعض أهدافهم، مستندين إلى الدعم الرسمي الداخلي، والرضا الخارجي، ومستفيدين من وجودهم الإداري النوعي، وحضورهم الإعلامي القوي، ومن الفراغ الذي شكله تراجع تيار الدعوة الإسلامية بعد أحداث 11 سبتمبر.
أما تجديد الخطاب الديني، فشعارٌ رَفَعَه مخلصون ومُغرِضون، وكلٌّ له هدفُه من ذلك بحسب غايته ومقصِدِه، ثم بحسَب ما يطرحه مِن أمثلة لتجديد الخطاب، وبسبب ذلك حصلَ التوجسُ عند بعض علماء ودعاة الإسلام من دعوةِ تجديد الخطاب الديني، وإذا استبعدْنا – نظريًّا – دعواتِ المغرضين والملتاثين والجاهلين، ونظرْنا في دعوات الصادقين؛ فإننا نجد فيها الكثيرَ مما يستحق أن يؤخذ به؛ لأنه جدير ونافع، ومن حيث الأصل فإن تجديد الخطاب هو حديث في الوسائل والأساليب، وهذه لا بد من تجديدها وتطويرها، وإلا أصبحنا كمَن يقابل الدبابة بسيف!
إسلاميو اليومِ جامدون!
* يُتَّهم الإسلاميون اليوم بالجمود والانغلاق في هذه العولمة المعاصرة، فما سبب هذه الدعاوى؟ وكيف نحقق الاعتدال والتوسط في ظل هذه المعمعة؟
الاتهامات الموجَّهة إلى تيار الأمة الإسلامية كثيرة وعديدة، ولن تتوقف؛ بل ستزداد، ولستُ أرَى أن ننشَغل بردِّ الشتائم والتُّهم؛ بل ننشغل بالعمل والإنجاز والتطوير، وعلينا – إذا أردنا أن نتقدم – أن نستفيد من كلام المناوئين واتهاماتهم، فنصلح ما هو خَلَلٌ فينا، ونستدرك ما هو نقص، كما قال أبو حيان الأندلسيُّ:
عِدَاتِي لَهُمْ فَضْلٌ عَلَيَّ وَمِنَّةٌ فَلا أَذْهَبَ الرَّحْمَنُ عَنِّي الأَعَادِيَا
هُمُ بَحَثُوا عَنْ زَلَّتِي فَاجْتَنَبْتُهَا وَهُمْ نَافَسُونِي فَاكْتَسَبْتُ الْمَعَالِيَا
العلمانية والتنظيم:
* حينما نقرأ عن العلمنة وخططها، كأننا أمام تنظيم منظم؛ فهل لهم جهة داعمة؟ وهل العلمنة حركة معاصرة مرتبطة بجهة محددة، أم مجرد اجتهادات أفراد؟ وكيف ذلك؟
العلمانية تيار واسع، فيهم المتطرف الغالي، وفيهم الأقل غلوًّا، وفيهم مَن هو أدنى من ذلك، وليس كل علماني مرتبطًا بجهات خارجية؛ بل فيهم وطنيُّون لا يقبلون الارتهان ولا العمالة، وفيهم النشط المتحرك، والخامد الكسُول، كما أن هناك علمانيةً فكريةً تقوم على قناعات، وتنتَمِي إلى مذاهبَ واتجاهاتٍ فكريَّة، وهناك علمانية سلوكيَّة لا يحمل صاحبُها سِوى مفاهيمَ علمانيةٍ عامة، ولكنه سلوكيًّا يمارس السلوكَ العلماني ويدافع عنه، ويوجد مَن ينتسب للعلمانية انتفاعًا ومصلحة، وخاصة عندما يكون لها ظهور سياسيٌّ أو إعلاميٌّ.
* نرى كثيرًا من الكتابات تنقد الأدب الحداثي، وتبرز أخطاءه وأهدافه؛ فهل – في رأيك – الأدب هو المفتاح الرئيس للحداثيين للولوج إلى عقول الناس؟ وما السبب في الاهتمام بالرد على الحداثيين؟ ألا يعتبر هذا من الترويج لهذه الأفكار وخدمتها؟
كان الأدب الحداثي في الفترة السابقة هو الوسيلةَ لترويج الفكر وجلب الأتْبَاع، وتم كشف ذلك في الفترة الماضية، والذي أراه أنهم الآن لم يعودوا في حاجة إلى التَّداري خلف الأدب إلا في حالات قليلة، والسبب أنهم أصبحوا يطرحون أفكارهم ومشاريعهم بشكل أكثر جَرَاءة ووضوحًا.
أما الردُّ على المخالفين للحق، فهو أصل في الدين؛ لكشف الشبهة، وإزالة اللبس، ونصيحة الناس، وهذا الأمر خاضع لضوابط المصلحة والمفسدة.
الإسلام الأمريكي!
* الإسلام المعاصر أو الأمريكي: هل هو مذهب جديد؟ وما أبرز خطوطه التي يسير عليها؟
الإسلام الأمريكي مصطلح ومشروع قديم من الخمسينيات الميلادية وربما قبلها، وهو مشروع ينشط كلما احتاج المستعمر الأمريكي إليه، وهو غير بعيد ي معالمه عن الإسلام الذي تريده فرنسا أو بريطانيا، وأهم مقاصده إيجاد (إسلام سُكُوني) استسلامي خاضع، يَقبَل التبعية ويفتخر بها، ويطوِّع أحكام الإسلام للتوافق مع الغرب وأعرافه وقوانينه المستندة إلى الفكر المادي، كما هو طرح بعض المسلمين في الغرب في التبرِّي من أحكام الحدود، وبعض أحكام المرأة، ولعلِّي لا أكون متجاوزًا إن قلت: إن بعض تلك الدعوات والشخصيات ليست سوى صورة مكررة من (غلام أحمد ميرزا القادياني)، ولكنها هذه المرَّة قاديانية سنِّية؛ لتفخيخ المسلمين السُّنة من داخلهم، كما جاء في توصيات تقرير راند الشهير.
مذهبية التغيير:
* في مقالك “التغيير مذهب أم مطلب؟” تقول: “التغيير عملية إصلاحية كبرى, ومع ذلك يجب ألا يتحول التغيير إلى مذهب معتنق، وعقيدة متبعة!!”.
فهل يمكن أن يصبح التغيير مذهبًا بالمعنى الاصطلاحي للمذهب، وكيف يكون ذلك؟
إذا لم يتشكل التغيير بصفة اصطلاحية تجعله مذهبًا، فإنه يوجد في الحقيقة مَن يؤمن به بطريقة تؤكد أنه مذهب، وإن لم تتشكل تسميته بعد، ومن ذلك:
1- اليقين الكلي بالتغيير وحتمية حدوثه.
2- الإيمان بالصيرورة الدائمة.
3- الدعوة الدائمة إلى التغيير.
4- جعل التغيير مقرونًا دائمًا بالتطوير والتقدم والنهوض.
5- جعل الثبات والسكون مقرونَيْنِ بالتخلف والرجعية.
وكثير من أصحاب مذهب التغيير يندرجون تحت المذهب الداروني، وكثير منهم لا يفرِّق بين التغيير الكلي والجزئي، ولا بين التغيير الدفعي، الذي به يتغير الشيء في ذاته حقيقة، والتغيير الإضافي أو النِّسبِي، الذي يتغير به الشيء في كيفيته مع بقاء أصله النوعي، كما لا يفرقون بين التغيير الحاصل في ذات الشيء أو جزء من أجزائه، أو الخارج عنه، والأهم من ذلك والأخطر أن بعضهم يَعتبر كلَّ ثابت ديني أو تشريعي أو أخلاقي أو اجتماعي أو عقلي ضربًا من ضروب التخلف.
جزئيات وكليات!
* الدعاة اليوم: هل واكبوا التحديات في الرد على المذاهب المعاصرة، أم ما زالوا يستغرقون في الجزئيات بعيدًا عن الكليات؟ وكيف نحقق الوحدة الدعوية لنخب الصحوة الإسلامية في مواجهة التيارات المذهبية المعاصرة؟
يوجد مِن علماء الإسلام ومثقفيه ودعاته مَن يواكب هذه التحديات، وإن كانوا قلة، بيدَ أنني أرى في السنوات القليلة الماضية تزايدًا نوعيًّا؛ بسبب كثافة الهجمة، وشراسة الأعداء، وتلوُّن ألاعيب المكر الثقافي والإعلامي، وكما قيل كم في المِحَن من مِنَح، أما الانشغال بالجزئيات فسوف يبقى له أناسٌ، هذه هي طاقتهم، وهذا هو مجالهم الذهني والنفسي، ووجودهم مهمٌّ، شريطة أن يبقوا في إطار تخصصهم وقدرتهم؛ لئلا يشغلوا الأمة بالفرعي على حساب الكلي، ولعدم أهليتهم علميًّا وذهنيًّا للتصدي للقضايا الكبرى، والمقاصد العظمى، والمصالح والمفاسد، وإن كان كثير منهم لا يُسلِّم بذلك؛ لكن حقائق ما حدث علميًّا وعمليًّا في العقدين السابقين تؤكد ذلك.
أما كيفية تحقيق الوحدة الدعوية بين نخب الصحوة، فذلك له رصيد في المبادئ والقيم، والمصالح والمفاسد، وهذا الرصيد كبير ومتوافر، والجميع يَعلَمه، والمهم هنا وضع الطرق العملية لاستثمار هذه العوامل، ومما يجدر الإشارة إليه هنا أنه بعد الضغوطات الأخيرة، والاتهامات والإزاحة المتدرجة، حصلت بيئة جمَعَتْ وألَّفت كما قيل: (المحن تزيل الإحن)، وهذه بشائر وبذور سيكون لها ثمار طيبة مباركة تعود بالخير على البلاد والعباد.
التبعية الفكرية للغرب:
* التبعية الاعتقادية أو الفكرية لدى شبابنا اليوم، والتأثر بكتابات الغربيين والاستشهاد بها؛ هل يُعَدُّ أمرًا محمودًا؟ وإلى ماذا تعزو اهتمام الشباب بما يُسطِّره الغرب؟
نحن أمة لها خصائصها، ولها مقومات تتميز بها، مَن تخلَّى عنها فلا بد أن ينتمي إلى شيء ما؛ لأن الإنسان العاقل لا يمكن أن يخلوَ من اعتقادات وقناعات فكرية، فإما أن يكون ذلك لهُوية الأمة، وهذا هو طريق الحرية والاستقلال، وإما أن يكون منتميًا لهوية غيرها، أو يخلط ما بين الأمرين، وهنا يأتي وصف التبعية، التي من أظهر سِماتها المحاكاةُ العمياء، والتأثرُ غير البصير، وعدمُ التفريق بين ما يُوجِد الغربُ مما هو من مقتضيات العصر، وما هو من أهوائه وعلله.
أما أسباب ذلك فهي كثيرة، منها: الجهل بخصائص الأمة ومقوماتها، والانبهار بالآخر، والضعف الذهني والنفسي المؤدي إلى التبعية، وقوة الغرب المادية والسياسية والتقنية والعسكرية.
الهوية الإسلامية والذوبان:
* كيف الحفاظ على الهوية الإسلاميَّة، وعدم الذوبان في الهوية الغربية، وإبرازها كنموذج ناجح؟
بنشرها، وكشف مميزاتها، وممارسة شرف الدعوة إلى الله تعالى وإلى دينه، وبيان محاسن الإسلام، وما يتضمنه من مصالح في الحال والمآل، مع تمثُّل أخلاق الإسلام في الواقع؛ لأن أكثر الناس يؤمنون بالمشخَّص أكثر من إيمانهم بالمجرَّد، مع بيان ما في المذاهب الفكرية من فساد وباطل، وضرر على الإنسان والإنسانية.
* واقع المسلمين المعاصر اليوم: هل نجح في تطبيق الإسلام في كل مقومات حياته العملية والحياتية، أم واقعنا يختلف تمامًا عما نطمح أو نرجو أن نصل إليه؟ وهل خدم الإسلاميون الإسلامَ كنماذجَ وقدواتٍ، أم هناك تقصير؟ وما السبب في ذلك؟ وكيف نسعى لتحقيق الإسلام واقعًا يحتذى به؟
أشرت في السؤال السابق أن أكثر الناس يؤمنون بالمشخَّص أكثر من إيمانهم بالمجرد، فمهما كانت بلاغتنا في شرح محاسن ديننا، فإن ذلك وحده لا يكفي، ومما يُؤسَف له أشد الأسف أن أكثر المسلمين في تخلُّف شديد، وتناقض كبير بين ما يؤمنون به وما يمارسونه، سواء على مستوى الدول أو المجتمعات أو الأفراد، وقد فطن أحد الدعاة في مطلع هذا القرن إلى هذا الخلل الكبير، فقال كلمة أصبحت متداولة: “أقيموا دولة القرآن في نفوسكم تَقُم على الأرض!!”.
وما يعمله المهتمُّون بدينهم وأمتهم في سائر البلدان يصبُّ أكثره في هذا الاتجاه، بطرق شتى، ومناهج متنوعة، وأساليب متعددة، وكأنهم يقولون بلسان الحال: (إنك لن تنصر الله في معركة، حتى تنصره في نفسك، بتغليب أمره على هواك).