فحولة الخطاب،والدعوة إلى التسوية

مقطع من حوار مع الدكتور سعيد بن ناصر حول حقيقة الاتجاهات الحداثية العربية

 فحولة الخطاب، والدعوة إلى التسوية كما يتردد هذه الأيام، ماذا يقصد به بناءً على تأصيلهم النظري؟؟؟؟؟

لكي نفهم قضية الفحولة والأنوثة التي يثيرها المنتحلون لا بد من العودة إلى جذور هذه الدعوة في محاولة تلخيصية توضيحية تناسب المقام.

1 ـ تقوم الفكرة أصلاً على قاعدة من الفلسفة المادية التي تنكر أي وجود جوهري للإنسان مستقل عن المادة وحركتها.

2 ـ الفكرة المادية الشمولية، تشكل إطاراً مرجعياً (نسقياً) في أذهان المتأثرين به، بما في ذلك الذين لا يستبعدون الدين نهائياً.

3 ـ الفلسفة العقلانية المادية في تعاملها مع الإنسان تنظر إليه في إطار نظرة تحليلية مادية تلغي كل الخصائص غير الطبيعية، ثم تقوم بتشريحه / تفكيكه إلى عناصره المادية الأولية.

4 ـ من منطلقات هذه الفلسفات كان الهجوم المادي العنيف على الطبيعة الإنسانية، والسمات البشرية التي تميز الإنسان عن غيره، والمقومات الفطرية التي لها أثر في تحديد نوعية نشاط الإنسان بناءً على جنسه وخلقته.

5 ـ من معطيات الهجوم المادي على الطبيعة الإنسانية والفطرة الخلقية للإنسان كانت دعوات الشذوذ الجنسي، والدعوة إلى تقنينه وتطبيعه اعتماداً على إلغاء ثنائية الذكر والأنثى، المستندة أصلاً إلى المعيارية الإنسانية، المستمدة من معيارية وجود خالق ومخلوق.

6 ـ من تطبيقات هذه المبادئ ظهرت حركات تحرير المرأة والدفاع عن حقوقها، ثم ظهر من سنـوات قريـبة مصطلح (الأنوثة) Fenminism ، وحل محل حركة تحرير المرأة.

7 ـ مذهب (الأنوثة) يقوم على رؤية تفترض مركزية الإنسان واستغنائه بذاته، وينطلق البرنامج الثقافي والفكري والاجتماعي لعقيدة (الأنوثة) من منطلق (مركزية المرأة) و (المرأة أولاً)، ومن قاعدة أن الأنثى دائماً في حالة صراع كوني مع الرجل، مع السلطة الأبوية والزوجية، ومن هنا ظهرت نظريات عن أنوثة الإله ـ تعالى الله ـ وعن التفسير الأنثوي للتاريخ، وعن تأنيث اللغة، إلى آخر ما هنالك من أفكار ومذاهب تقوم على استحالة التواصل بين الذكر والأنثى؛ لأنهما في صراع مستمر لا ينقطع، ومهمة الدعوات (الأنثوية) تحطيم الفحولة والقضاء على الرجل المتسلط، وتحسين أداء الأنثى في عملية الصراع هذه.

8 ـ من هنا يتم الهجوم على (الفحولة) أو ما يعبر عنه بـ (ذكورية اللغة) الذي هو في حقيقته هجوم على اللغة ذاتها وتشويهها، والتلاعب بمدلولاتها الحقيقية، بل المجازية أيضاً.

9 ـ آخر المطاف وليس نهايته يصل مذهب (الأنوثة) ومقاومة الفحولة وتحطيم الرجل العدو اللدود للمرأة ـ حسب نظريتهم ـ يصل المذهب إلى (الجنوسة)Gender (الجندر) الذي: هو عبارة عن زيادة التمركز حول المرأة، وإيقاد نيران الصراع مع الرجل.

والجنوسة أو الجندر يعود في أصله إلى مصطلح لغوي ألسني، ومن هنا يمكن تلمس منابع مصطلحات (الفحولة) و (الأنوثة) في الخطاب المذكور

وتعتمد (الجنوسة) أو الجندر على إلغاء أي شكل أو نوع من أنواع التمايز بين الرجل والمرأة، تحت ذريعة إخراج المرأة من الهيمنة والسلطة والتسلط، وحصار الهوية، وهوس الفضيلة ونحو ذلك. والجنوسة في الفكر الغربي حاولت تحييد الرجل وإبعاده، والعجيب أن ذلك تم بأفكار ومنطلقات (ذكورية) تزداد فيها سيطرة الرجل على الأنثى، وتتسع بها مجالات استمتاعه بها، كما هو حاصل في دعوات تحرير المرأة ودعوات الأنوثة، وقد زعمت هذه الأفكار بأنها سوف تقلب بنية التضاد بين الذكر والأنثى؛ لكي تصبح الأنثى أصلاً والذكر فرعاً، وهذه الدعاوى المستندة على الفكر المادي التصارعي لن تستطيع فعل شيء في هذا المضمار، سوى أنها ستستخدم آلية القمع التي تزعم أنها جاءت لمناهضتها، وتوقع الأنثى في شراك خادع وفخاخ انتهازية شهوانية ذرائعية نصبها لها الرجل.

10 ـ إن التطبيق العلمي لدعوة (الأنوثة) أو (الجنوسة) ومحاربة (الذكورة) والقضاء على (الفحولة) تعني إلغاء أشكال السلطة المعروفة في الحياة الاجتماعية.

والمستعيرون لهذه الأفكار من أبناء المسلمين لا يخفون ذلك، بل يعتبرونه مجداً وفخراً وإنجازاً، ولو كانت هذه السلطة هي حق الله ـ تعالى ـ في التشريع والأمر والنهي، وهي ما يسمونه القضاء على (الأنا المتعالية) التي تمتد أيضاً لتصل إلى سلطة الأب على ابنته؛ فالأب ذكر فحل والبنت أنثى، أو سلطة الزوج الفحل أو سلطة النظام الذي يمثل الخطاب الفحولي، أو سلطة المدرس الذي يتمتع بالصلاحيات الفحولية. ثم يستمر الهوس (الأنثوي) (الجنسوي) (الجندري) عند هؤلاء لتطالع مفرداتهم من قبيل: (تدوين الأنوثة، تأنيث المكان، استرداد اللغة لأنوثتها، تأنيث الذاكرة)، ونحو ذلك من المصطلحات والمفردات المكتوبة بحروف عربية وأفكار غربية، لا يتورع صاحبها أن يصف كل خطاب ونص له هيمنة بأنه خطاب (فحولي) (ذكوري) يجب أن تسحب منه هذه الصلاحيات، ويفكك ويشرَّح ليعود إلى الأصل، وهي الأنثى كما سمت نوال السعداوي كتابها (الأنثى هي الأصل) في خطاب يستند إلى الماركسية والتحليل الفرويدي، وهو خطاب صريح واضح وعدواني إلى الحد الذي جعل جورج طرابيشي يصفها بأنها (أنثى ضد الأنوثة)، بعكس خطاب الغذامي ونظرياته المستعارة في الفحولة والأنوثة فإنها تؤصل وتضرب الأعماق من بعيد، بطريقة (فحولية) أيضاً ويا للعجب!

ومن يتتبع مسيرة حركات التحرر ثم الأنوثة ثم الجنوسة والسياق المستعار عند فاطمة المرنيسي ـ مثلاً ـ ثم عند عبد الله الغذامي يجد القدرة على استقبال الأفكار وإعادة صياغتها ونشرها باللغة العربية.

لقد قدم الغذامي كتبه الثلاثة عن المرأة (المرأة واللغة) و (المرأة واللغة: ثقافة الوهم) و (تأنيث القصيدة والقارئ المختلف) وهو يحوم حول مفاهيم مستعارة وشواهد مجتزأة، لا ليصل إلى حلول عملية تجلب المصالح الحقيقية للمرأة، وتدفع المفاسد عنها، وإنما ليتحدث منتشياً بقدرته على التعاطي مع السوق النقدية العربية وفق نظام العرض والطلب، المتساوق مع رهج العولمة وزخمها السياسي والاقتصادي والإعلامي.

إن الإعلان الاستعراضي عن حرب (الأنوثة) و (الفحولة) مرتبط بخلل في التصور والفهم، ومؤكد على انفعالية استعارية لم يحفل أصحابها بالمضمون الذي تحتويه، ولم يروا الأبعاد الحقيقية لهذه الدعوى؛ فإذا كانت اللغة العربية ـ حسب رأيهم ـ لغة فحولية ذكورية متسلطة مستبدة تغيب المرأة عن التاريخ والواقع، وخطاب هذه اللغة ـ حسب وصفهم ـ خطاب فحولي متحكم متعال، وذاكرة هذه اللغة ذاكرة فحولية مهيمنة ومهمشة للأنثى، إذا كانت كل هذه الأوصاف في اللغة العربية؛ فماذا عن القرآن العظيم الذي جاء أكثر خطابه بصيغة التذكير: هل تنطبق عليه كل هذه الأوصاف الشنيعة؟ إن قال دعاة الأنوثة: نعم! فذلك من أعظم أنواع السخرية والاستخفاف بكلام الله، وإن قالوا لا، فقد تناقضوا.

ثم هناك البعد الأخلاقي الخطير في دعوة (التأنيث) هذه؛ وذلك لامتلائها صراحة بالتحريض ضد الرجل، والتحريش ضد معالم الرجولة أو ما يسميه الفحولة، والتأجيج التاريخي واللغوي والعاطفي بين جنسين خلقهما الله ليتكاملا لا ليتصارعا.

ومما يؤكد ذلك ما نقلته الناقدة (ضياء الكعبي)، وأشارت إليه في سياق دراستها لبعض مؤلفات الغذامي، وهي دراسة إطرائية متساوقة مع الغذامي إلى حد كبير. تقول الكاتبة: عندما تلقيت كتاب (المرأة واللغة) للمرة الأولى بسملت، وحوقلت..، وأذكر ما قالته لي صديقة متزوجة إنها عندما قرأت هذا الكتاب وصلت إلى مرحلة التطهير الأرسطي؛ فتمنت في عقلها الباطن أن تقتل زوجها انتقاماً من جنس الرجال قاطبة وما فعلوه بالنساء، وقتها حمدت الله أني لست متزوجة؛ كي لا يكون مصير زوجي التقطيع في أكياس، إذن نستعيذ بالله من فتنة القراءة الغذامية ومن شر إغوائها.

 

 يردد هؤلاء بأن هناك غياباً شبه كامل وعدم وجود نظرية إسلامية تخدم الأدب العربي منذ نشأته في العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا، بل كل الإنتاج الأدبي هو عبارة عن خطابات فحولية تمجد الذكورية في طياتها، كما أنه عبارة عن مخرجات (لا واعية) متأثرة بالأنساق المسيطرة وتجبن في الخروج عليها؟؟؟

لا يُتوقع من دعاة (الأنوثة) و(الجنوسة / الجندر) و (اليوني سكس أي الجنس الوسط) أن يعترفوا بوجود نظرية إسلامية تخدم الأدب العربي؛ وذلك لأن خطابهم في التجني على الثوابت والتحريض ضدها قد تجاوز اعترافهم بهذه القضية، أي أنهم قطعوا شوطاً بعيداً في الالتصاق بمنظومة أخرى لا ترى في الخطاب العربي واللغة العربية إلا الفحولة المستبدة، والذكورية الماكرة، والتعالي الفحولي، وغير ذلك من ألفاظ الثورة ضد اللغة ومدلولاتها وظلالها، وأبعادها ومعانيها ومراميها وعلاقاتها.

هذا الهجوم على ما يسمى (ذكورة اللغة) هو في واقع الحال هجوم مادي على مصادر اللغة والتي منها القرآن والسنة والشعر العربي والنحو العربي والبلاغة والصرف وتشويه لها، وتحويلها إلى مجرد أيقونات.

هذا هو وجدان ومضمون الخطاب (الأنوثي) المؤطر بإطار العقيدة المادية الطبيعية التي تستخدم الجنس أصلاً لإدراك كل شيء، والحكم على كل شيء، والمؤدى القريب أو البعيد لهذه الدعاوى تقويض حدود اللغة القائمة وضوابطها ومدلولاتها، وإبعاد المرجعية الإنسانية المتخطية لحدود المادة، أعني المرجعية الغيبية الدينية، وغني عن القول أن هذه النظرية تصوغ المرأة إما أنها أكثرمن أنثى أي (عدو للذكر) وخصم له، وإما أنها أقل من أنثى (متطابقة مع الرجل) باسم الجنوسة أو الجندر أو اليوني سكس، وفي كلتا النظريتين تسقط المرأة بوصفها الأم الحنون، والزوجة الرؤوم، والبنت البرة، والأخت الوفية، والمربية البانية، والمعلمة الحانية، ويحل محلها المرأة المتصارعة مع الرجل أباً كان أو زوجاً أو ابناً أو أخاً.

وبهذا السقوط تسقط الروابط الاجتماعية تحت حرب ميليشيات دعاة (الأنوثة) و (الجنوسة)؛ وبذلك تسقط الأسرة في الحرب المفتعلة بين الذكور والإناث؛ وبذلك يتلاشى جوهر الوجود الإنساني؛ إذ يصبح كل فرد عبارة عن وجود رقمي مستقل، يعيش مصلحته الخاصة، ورغباته الذاتية، ويسقط في قبضة الحياة المادية الساحقة، وينزلق في حرب مستمرة قاتلة لكلا الطرفين.

 

 السبئية، ثورة الزنج…. وغيرهما نماذج وتجارب لم يكتب لها النجاح في تأريخنا ـ في الخروج على النسق العام، وهؤلاء يدعون للاستفادة منها، ما علاقة هذا بالحداثة الأدبية كما يزعمون في كتاباتهم؟؟؟

إذا نظرنا إلى أصول ومنطلقات الحداثة الأدبية فإننا نجد أنها قامت أساساً على ابتغاء التحول والدعوة إلى صيرورة جديدة منعتقة من الثابت والمؤصل في صياغة تتخذ التغيير مذهباً، والتقويض مسلكاً، وفي سبيل هذا الاتجاه الأيديولوجي تم اصطناع الأدوات المناسبة لعملية الهدم والتقويض: أدوات لغوية باسم (تفجير اللغة) و (تأنيث اللغة) و (القضاء على معجمياتها) و (نحوها وصرفها) وأدوات اعتقادية تجزم بحتمية الصيرورة الدائمة، وحتمية الحداثة، وأدوات تاريخية تستهدف التشكيك في التاريخ الثابت المنقول، كما تستهدف إحياء الأقليات التاريخية المارقة والمنحرفة تحت شعار البحث عن المهمش والمقصي؛ وبذلك ترسخت المفاهيم الباطنية في الشعر العربي الحديث، وساعد على ذلك وجود أشخاص متبوعين من هذه الطوائف المنحرفة، مثل: أدونيس، وزوجته خالدة سعيد، والبياتي، ومظفر النواب، ومهدي عامل، وحسين مروة، وشوقي بزيع، وحنان الشيخ، وتوفيق زياد، وسميح القاسم، وغيرهم.

وهذا ما لحظه إحسان عباس في كتابه (الاتجاهات الجديدة ص 81)، حيث قال: (لا ريب أن عدداً من الشعراء المحدثين ينتمون إلى الأقليات العرقية والدينية والمذهبية في العالم العربي، وهذه الأقليات تتميز ـ عادة ـ بالقلق والدينامية ومحاولة تخطي الحواجز المعوقة والالتقاء على أصعدة أيديولويجية جديدة، وفي هذه المحاولة يصبح التاريخ عبئاً والتخلص منه ضرورياً، أو يتم اختيار الأسطورة الثانية؛ لأنها تعين على الانتصاف من ذلك التاريخ بإبراز دور تاريخي مناهض).

وهذا الولع بالنماذج والتجارب الشاذة في التاريخ أصبح سمة عند هذا الاتجاه، حتى من أبناء المسلمين غير الطائفيين؛ وذلك لأن تنظيراً في هذا الاتجاه قد تأسس في أذهانهم وتشربوه كالمسلَّمات اليقينية، فساروا عليه، فأثر على كتاباتهم بالأسماء والرموز الشاذة في إطار امتداحي تبجيلي مخادع، يسير عليه بعض الكتّاب بعمى ثقافي وصمم معرفي لا يعرفون ما وراء الأكمة، ولا يرغبون في معرفته، بل قد ينهالون بالنقد والثَلْب لمن أخبرهم بأبعاد وخلفيات هذه الممارسة التي ظاهرها ثقافي أدبي وحقيقتها تقويض وهدم.

يقول أدونيس في الثابت والمتحول (3/9 ، 10): (ومبدأ الحداثة: هو الصراع بين النظام القائم على السلفية والرغبة العاملة على تغيير هذا النظام، وقد تأسس هذا الصراع أثناء العهدين الأموي والعباسي؛ حيث ترى تيارين للحداثة: الأول سياسي فكري، ويتمثل من جهة في الحركات الثورية ضد النظام القائم بدءاً من الخوارج وانتهاءً بثورة الزنج ومروراً بالقرامطة، والحركات الثورية المتطرفة، ويتمثل من جهة ثانية في الاعتزال والعقلانية الإلحادية وفي الصوفية على الأخص)، ولعل في هذا النص بعض الإجابة عن خلفيات هذه القضية وأغوارها.

 

 ما تعليق فضيلتكم على التنقل بين النظريات الغربية، والتي تعالج الفكر الإنساني، وكلما لاح في سوق الفكر الغربي نظرية جديدة أو تحول جديد رأينا ممّن يدعون نقاد الحداثة يسعون وراءها، وهل هذا التنقل الفكري ينم عن استقرار نفسي ووضوح في الرؤية و(تجديد واعٍ)، كما عرف الغذامي الحداثة؟ ؟؟

طبيعة وكلاء التوزيع الفكري التنقل بين شركات الإنتاج الفكري والفلسفي، كما أن طبيعة المستهلك الثقافي تبرز جودتها في اعتناق كل جديد، ولو أدى ذلك إلى التناقض التام، وهذا ما نجده في أشخاص مشهورين عاشوا حالات الارتحال الفكري من النقيض إلى النقيض من الماركسية إلى البعثية اليسارية إلى الليبرالية الغربية. إن من أساسيات هذه المشكلة من زمان طه حسين إلى الآن الانحصار في مجرد النقل عن الآخر. يقول محمد مندور في كتابه (الميزان الجديد) مشيراً إلى ما تعلمه من أستاذه طه حسين: (لقد أخذت عنه شيئين كبيرين هما: الشجاعة في إبداء الرأي، ثم الإيمان بالثقافة الغربية، وبخاصة الإغريقية والفرنسية)، وهذا النمط استمر وبطريقة مضاعفة في الأجيال اللاحقة، وهذا يدل على (العمى الثقافي) حقيقة وعلى التبعية العمياء، وممارسة (الاستغراب)، كما سماه حسن حنفي مادحاً0

وهذا النمط نفسه هو الذي جاء به الحداثيون منذ سنوات مضت بحماس شديد ليستنبتوا المناهج الغربية في بيئة النقد العربي والفكر والثقافة والفلسفة، بوصفها مشروعاً فكرياً لها القدرة الخارقة على تغيير البنية الثقافية بشكل جذري؛ فالبنيوية أو الواقعية الاجتماعية أو الألسنية أو التفكيكية ليست مجرد مناهج فنية أو أدوات إجرائية، بل هي ـ حسب قولهم ـ رؤية للإنسان والعالم والوجود، وهذا مثال واحد من عشرات الأمثلة، تدل على أن الزعم بأن الحداثة (تجديد واع) ليست كذلك بحال، وفي تقديري أن لذلك أسباباً كثيرة، بعضها معرفي فكري، وبعضها نفسي، وبعضها أخلاقي، والكلام عن هذه الأسباب يطول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى