قصة عثمانية بديعة تصور علاقة السلطان بالعلماء

ﻳُﺮﻭﻯ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ﺃﻧﻪ ﺃﺧﺒﺮﻩ ﻣﻮﻇﻔﻮ ﺍﻟﻘﺼﺮ، ﺑﺎﺳﺘﻴﻼﺀ ﺍﻟﻨﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﺬﻭﻉ ﺍﻷﺷﺠﺎﺭ ﻓﻲ ﻗﺼﺮ “ﻃﻮﺏ ﻗﺎﺑﻲ” ﻭﺑﻌﺪ ﺍﺳﺘﺸﺎﺭﺓ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ ﺧﻠﺺ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﺩﻫﻦ ﺟﺬﻭﻋﻬﺎ ﺑﺎﻟﺠﻴﺮ ﻭﻟﻜﻦ كان ﻣﻦ ﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ حين ﻳﻘﺪﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮٍ أن يأخذ رأي مفتي الدولة الذي كان لقبه الرسمي شيخ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩ ﺃﻓﻨﺪﻱ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻔﺘﻮى، ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪﻩ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻣﻪ، ﻓﻜﺘﺐ ﻟﻪ ﺭﺳﺎﻟﺔ ببيت شعو ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻴه
ﺇﺫﺍ ﺩﺏ نمل ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺠﺮ ** ﻓﻬﻞ ﻓﻲ ﻗﺘﻠﻪ ﺿﺮﺭ ؟
ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ ﺍﻟﺸﻴﺦ: ﺣﺎﻝ ﺭﺅﻳﺘﻪ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻗﺎﺋﻼ:
ﺇﺫﺍ ﻧُﺼﺐَ ﻣﻴﺰﺍﻥ ﺍﻟﻌﺪﻝ أخذ ﺍﻟﻨﻤﻞ ﺣﻘﻪ ﺑﻼ وجل!…في إشارة منه إلى ماهو أعظم وأهم.
ﻭ ﻫﻜﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﺩﺃﺏ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺳُﻠﻴﻤﺎﻥ، ﺇﺫ لا يكاد ﻳُﻨﻔﺬ ﺃﻣﺮﺍ ﺇﻻ ﺑﻔﺘﻮﻯ ﻣﻦ ﺷﻴﺦ ﺍﻻﺳﻼﻡ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﻴﺌﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﻟﻠﻌﻠﻤﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ.
ﺗُﻮﻓﻲ ﺍﻟﺴُﻠﻄﺎﻥ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ – ﺯﻳﻜﺘﻮﺭ – ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺳﻔﺮﻩ ﺍﻟﻰ ﻓﻴﻴﻨﺎ ﻓﻌﺎﺩﻭﺍ ﺑﺠﺜﻤﺎﻧﻪ ﺍﻟﻰ ﺇﺳﻄﻨﺒﻮﻝ، ﻭﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﻟﺘﺸﻴﻴﻊ ﻭﺟﺪﻭﺍ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺃﻭﺻﻰ ﺑﻮﺿﻊ ﺻﻨﺪﻭﻕ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺒﺮ، ﻓﺘﺤﻴّﺮ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭ ﻇﻨﻮﺍ ﺃﻧﻪ ﻣﻠﻲﺀ ﺑﺎﻟﻤﺎﻝ، ﻓﻠﻢ ﻳﺠﻴﺰﻭﺍ ﺇﺗﻼﻓﻪ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺘُﺮﺍﺏ، ﻭﻗﺮﺭﻭﺍ ﻓﺘﺤﻪ..ﺃﺧﺬﺗﻬﻢ ﺍﻟﺪﻫﺸﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺭﺃﻭﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﺼّﻨﺪﻭﻕ ﻣﻤﺘﻠﺊ ﺑﻔﺘﺎﻭﻳﻬﻢ، ﻓﺮﺍﺡ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩ ﻳﺒﻜﻲ ﻗﺎﺋﻼ
ﻟﻘﺪ ﺃﻧﻘﺬﺕ ﻧﻔﺴﻚ ﻳﺎ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ، ﻓﺄﻱ ﺳﻤﺎﺀٍ ﺗﻈﻠﻨﺎ ﻭﺃﻱ ﺃﺭﺽٍ ﺗُﻘﻠّﻨﺎ ﺇﻥ ﻛﻨﺎ ﻣﺨﻄﺌﻴﻦ ﻓﻲ ﻓﺘﺎﻭﻳﻨﺎ؟

هكذا كان العلماء !!
وهكذا كان الأمراء!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى