أوضح الداعية الإسلامي والأكاديمي السعودي؛ الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي، أن تقنين الاختلاط وتسويغه ونشره فيه مفسدة كبيرة؛ وأن المملكة العربية السعودية على مدار تاريخها الطويل، بقيت في منعة- في الجملة- من الغزو التغريبي العلماني المكشوف والمباشر؛ مشيرًا إلى أن “الضغوط الخارجية لتقنين الاختلاط واضحة ومكشوفة، وهي مكتوبة في توصيات مؤتمر بكين، وجماعات الجندر، وتقارير راند”.
وقال الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي؛ الأستاذً في كلية المجتمع بجامعة الملك عبد العزيز؛ في حوار خاص لموقع “المسلم”: “فتح هذا الباب ثم البحث له عن ضوابط وخطوط حمراء، يشبه السماح ببيع المخدرات بضوابط ووفق معايير قانونية ونظامية”؛ مستبعدًا أن تطال محاولات التغريب “الحكم بما أنزل الله” بشكل مباشر، و”لكن الناس يخشون من خطط العلمانيين، ومن يدفع بهم إلى المقدمة من القوى الغربية”.
واعترف الشيخ سعيد بن ناصر الغامدي أن القرار الأخير قد أحدث شرخًا اجتماعيًا كبيرًا، وتذمرًا واسع الأرجاء، وخوفًا من تفاقم الحالة وتداعياتها؛ معتبرًا أن “المشكلة أن يوجد من أبناء الدعوة الإسلامية، وطلاب العلم الشرعي، من يسهم في توجيه البارومتر لصالح الأعداء، بنية حسنة، ومقصد نبيل”!
مزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي:
* كيف ترى الأثر التربوي السلبي أو الإيجابي لاختلاط الجنسين في المؤسسات التعليمية؟
** كل من اكتوى بنار الاختلاط، وأدرك آثاره السلبية، من عقلاء العالم، يدرك أن الاختلاط له آثار فاسدة؛ على الطلاب والطالبات، فضلا عن أن ديننا الإسلامي الحنيف يمنع مثل هذا النوع من التخالط المفسد.
* وهل برأيك تستوي جميع المراحل في ذلك أم أن العمر والسن يؤثران على ذلك؟
** في سن الطفولة الأمر أقل ضررًا، ومع ذلك فإنني أرى الفصل بين الجنسين حتى في هذا السن، أما في سني المراهقة والشباب فماذا نتوقع حين نضع النار بجوار البارود؟!.
* وهل هناك ضوابط ومحظورات، تعتبر كخطوط حمراء، لا يصح تجاوزها من الناحية الدينية والشرعية في هذا الاتجاه؟
** حسم هذا الباب وإغلاقه خير طريق لعلاج هذه المشكلة، التي لم تكن أصلا في مجتمعات المسلمين، حتى تدفق الطوفان الغربي، فطغى على عقول وقلوب كثيرة، وعميت بسببه أبصار وبصائر عديدة، ثم راحوا ينقبون في الأدلة، عن أشياء تدعم انهزامهم وتبعيتهم ومجاراتهم البائسة، وضعفهم المتستر بالتقدم والتحضر والعصرنة.
ولا شك أن فتح هذا الباب ثم البحث له عن ضوابط وخطوط حمراء يشبه السماح ببيع المخدرات بضوابط ووفق معايير قانونية ونظامية… ما كان أغنى الأمة المحمدية – لو كانت تعتز بدينها- عن الخوض في هذا المستنقع، ثم البحث بعد الغرق عن حبال إنقاذ وأطواق نجاة!!
* وكيف ترى برأيك تطبيق قاعدة “سد الذرائع” هنا؟، وهل يستوي تطبيقها مع كافة المجتمعات والمؤسسات؟
** قاعدة “سد الذرائع” يعمل بها كل البشر، فمن يفتش المسافرين في المطارات يعمل ذلك سدًا لذريعة الاختطاف أو تهريب الممنوعات، ومن يراقب الإعلام من الأجهزة الأمنية والسياسية يفعل ذلك سدًا لذريعة التشويش على الحاكم وملئه، ومن يطعّم الأصحاء يفعل ذلك سدًا لذريعة انتشار الأوبئة، أفلا تكون الأخلاق والأعراض والقيم والشيم مثل ذلك أو أولى منه؟!
* وما رأيكم فيمن يقول: لا نمنع الاختلاط مطلقًا لكن نضبطه بضوابطه؟ وما هي ضوابطه التربوية في حالة إقراره؟
** القول بأنه يجب علينا ألا نمنع الاختلاط مطلقا، قول خاطئ، وصاحبه إما مجتهد مخطئ أو مفتون مفسد، ويا للعجب في أصحاب المحاولات الدءوبة للالتحاق بالغرب وتقليدهم، يفعلون ذلك بكل جراءة ثم يسعون في وضع رتوش ونقوش تحسن الوضع وتجمله، وتجعله طبيعيًا، تحت لافتة الضوابط، وماذا أغنت الضوابط في بلدان المسلمين التي حكمت بالعلمانية، وقنن فيها الاختلاط؟!، أليست الشكوى فيها كبيرة، والمفاسد شهيرة، والمخالفات ظاهرة، والمعاصي مكشوفة، والمحرمات مألوفة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؟!
* وما موقع البناء الإيماني القلبي في هذه المسألة؛ حيث الاختلاط لا يمكن منعه في بعض تلك المجالات أو المؤسسات؟
** الاختلاط الذي لا يمكن منعه بسبب طارئ أو عارض يعالج بالتربية والتزكية والتقوى، أما تقنين الاختلاط وتسويغه ونشره فهو مفسدة كبيرة ومحادة للشرع، رغم الفتاوى الرسمية وشبه الرسمية، وفتاوى أهل التأويل والتبديل، والبلدان التي ابتليت بذلك ليس أمام أصحابها إلا تقوية الوازع الإيماني بكل قوة، لعل وعسى، إذ طبيعة الأمور وحاصل التجربة يقول بأنه (ليس هناك فتنة أشد على الرجال من النساء).
* وما تقييمكم لتجربة الفصل بين الجنسين تماما في المملكة العربية السعودية؟
** تجربة ناجحة، أثبتت أنه لا تضاد بين التعلم والفصل بين الجنسين، وقد تخرج الآلاف من النساء والرجال من أصحاب المؤهلات العلمية، ولم يضرهم ولم ينقص منهم أنهم درسوا من غير اختلاط.
* لكن البعض يقول إنها لم تمنع السلبيات، ومن ثم فالضبط مع توسيع مساحة الحرية أفضل.. فما رأيكم؟
** ما يردده هذا البعض غير صحيح، وإن وجدت سلبيات فهي يسيرة، في جانب الفوائد والمنافع الكثيرة، ولو لم يكن في ذلك إلا طاعة أمر الله والحفاظ على القيم والأخلاق والنزاهة والفضيلة لكفى بذلك نفعًا.
* وما هي الصورة العملية المقترحة في المدارس والجامعات؟
** أن يدرس كل جنس في مكان مستقل به، مع استعمال التقنية الحديثة؛ كالدوائر التلفازية ونحو ذلك.
* ما الفرق بين الاختلاط العفوي في الأسواق والحرم، والاختلاط المقنن الملزم في المؤسسات التعليمية؟
** الفرق بينهما كالفرق بين ذهاب المرأة لزيارة جارتها وبناتها في بيتها، وذهابها لزيارة زوج جارتها وزملائه وأبنائه، وكالفرق بين حالة طارئة وعفوية وحالة مبرمجة مقصودة، وكالفرق بين جاريتين تذودان الغنم عن مورد الماء لوجود الرجال عليه، لأن والدهما الطائع الصالح قد رباهما بتربية السماء؛ فقالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء، وامرأتين كانتا تغشيان مجامع قومهما تحريشًا على الزوجين الصالحين، فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئًا.
* ما دور الضغوط الخارجية في تقنين الاختلاط؟
** للضغوط الخارجية الساعية إلى تقنين الاختلاط أدوار واضحة ومكشوفة، مكتوبة في توصيات مؤتمرات مثل مؤتمر بكين، وجماعات مثل الجندر، وتقارير مثل راند، ومطالب العالم الغربي الذي يصدق فيه وفي فكره أنه (متمركز حول الأنثى) لا ليحررها كما يزعم، بل ليستمتع بها، ويستعبدها بطوعها واختيارها، بل بطلب منها، وقديما قيل:
خدعوها بقولهم حسناء *** والغواني يغرهن الثناء
* وهل تعتقد أن هذه الخطوة بداية لتغيرات في السعودية ، بغية التخفف من الأمور الشرعية؟، وهل يمكن أن يطال هذا التغيير التدريجي الحكم بما أنزل الله؟
** لا شك أن هذه الخطوة مؤشر واضح على تغير كبير، وإن استمرت الخطوات مطردة في هذا السياق وأمثاله فسوف يطال التغيير أمورًا كثيرة وكبيرة، تعد من أسس مشروعية الدولة السعودية، ومن أسباب نشأتها وقوتها.
أما الحكم بما أنزل الله فلا أظن أنه سيطاله تغيير مباشر من حيث المبدأ، ولكن الناس يخشون من خطط العلمانيين، ومن يدفع بهم إلى المقدمة من القوى الغربية وغيرها، حيث بدأ شعور التوجس يسود من هذه الخطط القائمة على مبدأ (بطيء ولكن أكيد المفعول)، غير أن مما يدعو للتفاؤل أن مثل هذه المحاولات مرت بها السعودية قديمًا، ثم عاد الأمر إلى نصابه، وتمت الاستفاقة من كابوس العلمانية الناصرية الاشتراكية بطريقة سلمية سريعة.
* وماذا عن الآثار الاجتماعية التي أحدثها مثل هذا القرار، وانقسام النخب إلى معسكرين متضادين، وما يتبعه من تقسيم المجتمع وزوال الوحدة التي كانت تجمعه؟
** نعم بالفعل فقد حدث شرخ اجتماعي كبير، وتذمر واسع الأرجاء، وخوف من تفاقم الحالة وتداعياتها، والإشكال الكبير أن الدولة سنية المذهب، والأغلبية الساحقة من السكان هم من أهل السنة، ولكن المشاهد أن هناك أقلية فكرية أو طائفية صار لها نفوذ كبير، ولسان مبين عنها، أما الأكثرية المغلوبة على أمرها، فيصدق عليها قول الشاعر:
كفى بالمرء عيبًا أن يكون*** له جسد وليس له لسان
* ولكن هناك من يعتبر السعودية آخر القلاع ضد العلمنة والتغريب، لما لها من خصوصية تاريخية ومكانية.. فما رأيكم؟
** في بلدان المسلمين خير كثير، ولكن السعودية بقيت في منعة- في الجملة- من الغزو التغريبي العلماني المكشوف والمباشر، وحرص حكامها على حفظ هذه الخصوصية، لأسباب عديدة؛ منها: مشروعية نشأة الدولة، وخصوصية المكان والتاريخ، ومهما حصل من ثغرات وانكشاف في بعض أبراج قلعة الإسلام فما زال الأمل حيًا، واندحار الغزاة متوقعًا في أية لحظة.
* هناك من يعتبر السعودية “بارومتر” العالم الإسلامي؛ فما جاز فيها وأبيح، سهل إباحته في بقية البلدان العربية والإسلامية.. فما تعليقكم؟
** في الجملة هذا كلام صحيح، ولكن سنة الله تعالى جازمة قاطعة؛ قال تعالى:[…وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ](سورة محمد – آية 38)، وليست المشكلة فقط في انجراف البعض ليثبتوا للغرب أن بارومترهم مستدبر القبلة، ولكن المشكلة أن يوجد من أبناء الدعوة الإسلامية، وطلاب العلم الشرعي، من يسهم في توجيه هذا البارومتر لصالح الأعداء، بنية حسنة، ومقصد نبيل، وبحجج ظاهرها قد يبدو صحيحا، ولكن ما فائدة النيات الطيبة إذا أودت المواقف والأقوال بالناس في الكرب العظام؟!