الحضارة
مفهوم الحضارة
هناك من وسع مفهوم الحضارة في مقابل من اجتزأ مفهومها وقصرها على بعض الأمور, كما أن هناك من فصل بين الحضارة والإنسان وهناك من وصل, ويسبق كل ذلك الإشكال الكبير – الآنف ذكره في التمهيد – والمتعلق بمعضلة المصطلحات ومضامينها الخاضعة مباشرة للمفاهيم الغربية أوالدائرة في فلكها ،والمعبرة عن فكر وتاريخ وممارسة الحياة الغربية, التي كرست جملة من الأغاليط المعرفية المتعلقة بالمفاهيم التجزيئية أوالتعريفات ذات الطبيعة الشمولية أوالحتمية ،والتي تؤول في مجملها إلى دائرة عامة ترد الإنسان إلى عناصره المادية فقط, وقد سبقت الإشارة إلى ذلك أيضًا.
ومصطلح (الحضارة) من المصطلحات المتداولة بشكل كثيف جدًا, وخاصة عند الذين لهم اهتمام بالقضايا المتقابلة مثل: النصر والهزيمة, وضعف الأمة وقوتها, والنهضة والركود, والتقدم والتخلف والصراع والتعايش, والأصالة والتبعية, والخصوصية والعالمية, والتثاقف والانقطاع, والتحيز والاندماج, والتكيف والإذعان, والتقليد والانتقاء, والتحديث والجمود, والتطور والثبات, والغالب والمغلوب, والأمة والدولة القطرية, والتحرر والالتزام, وغير ذلك من المتقابلات التي تدور حولها اختلافات ومعارك وصراعات متنوعة الماهيات و الأشكال.
وكل يذهب في تعريف الحضارة حسب ثقافته وقناعته ومفاهيمه واعتقاداته, وفلسفته ونظرته لتلك الأمور المتقابلة أو المتداخلة، وفوق كل ذلك هناك (المرجعية) الحاكمة والتي ترد إليها الأمور والمذاهب والأفكار والاتجاهات, إذ حقيقتها أنها الإطار الكلي والأساس المنهجي والركيزة الجوهرية في أي خطاب أوملة أومذهب أودستور أونظام.
وقد كتب في موضوع الحضارة كتبًا مستقلة وعنيت المعاجم بتعريفها, وتبحر الناس في بيان ماهيتها, ومكوناتها, وعلاقتها بالتاريخ (الزمن) وعلاقتها بالإنسان, وعلاقتها بالإنتاج والقوة التقنية والسياسية والإعلامية.
وتكثف الحديث عنها منذ أن غزا نابليون مصر وأرسل محمد علي باشا البعثات التعليمية وسقطت الخلافة العثمانية, واستولى المستعمر الغربي على معظم بلاد المسلمين.
وليس من شأن هذا المدخل الإلمام -لو كان ممكنًا- بكل ما قيل عن الحضارة وتعريفها, إذ إن مفهومها ومعناها يتعدد بتعدد الثقافات والعقائد والتقاليد والتاريخ وأساليب الحياة.
ولكن نشير هنا إلى اتجاهين رئيسين في هذا الصدد؛ لعلاقتهما بأوضاع المسلمين عمومًا ثم لعلاقتهما بموضوع الصدمات الحضارية خصوصًا, ثم لأنهما الأكثر شيوعًا بين العرب والمسلمين في هذا العصر:
الاتجاه الأول:يتعلق بالمفهوم الغربي للحضارة وهو الذي شاع في كثير من نتاج الفكر العربي المعاصر.
الاتجاه الثاني: يتعلق بالمفهوم الإسلامي للحضارة, وهو الذي تم تناوله في الفكر الإسلامي المعاصر في كتابات كثير ممن اهتموا بدراسة الكبوة الحضارية من الكتاب المنطلقين من هوية الأمة وثقافتها, على تفاوت بينهم في التناول والطرح, ومدى الوضوح والمباشرة للموضوع([1]).
ومع الأخذ في عين الاعتبار أن الكلام هو عن اتجاه عام وليس عن تفاصيل التعريفات, وإن تم اختيار بعضها فبوصفها أمثلة أو شواهد على المراد.
منهم على سبيل المثال: مالك بن نبي, وأبو الأعلى المودودي, وأبو الحسن الندوي, وسيد قطب, ومحمد قطب, وعماد الدين خليل, وسليمان الخطيب, وعبدالحليم عويس, ومحمد أسد, ومحمد باقر الصدر, وعلي شريعتي, ومنير شفيق, وعبدالوهاب المسيري, ومحمد علي أبو هندي, وابنعقيل الظاهري, وجعفر شيخ إدريس, ومحمد محمد حسين, وسفر الحوالي, ويوسف القرضاوي, وعبد الكريم بكار, ومحمد عمارة, وجمال سلطان،ومحمد يتيم.