معنى الصدمة ومؤثراتها

الصدمة في اللغة من الصدم, وهو في الأصل ضرب الشيء بمثله, ومنه رجلان يعدوان فتصادما، وجيشان يتصادمان، وصدمهم أمر، أي أصابتهم شدة.
والصبر عند الصدمة الأولى، أي عند فورة المصيبة وحموتها، وولّيتك الأمر صدمةواحدة، أي دفعة واحدة.
والصِّدام بكسر الصاد داء يأخذ في رؤوس الدواب, وبعضهم يقول بأنه ثقل يأخذ الإنسان في رأسه( ).
ولعل أقرب هذه المعاني تعلقًا بالبحث هو أن الصدمة أمر شديد يصيب الإنسان, والعامة تقول (أنصدم) الرجل، إذا تعلل بشيء قبل وقت الطعام فانشغلت معدته به وسقطت عنه الشهوة فلم يقبل الأكل بعد ذلك فهو (مصدوم), و(الصدمة) النزعة والدفعة الواحدة, يقال: صرعه بصدمة، أي بدفعه واحدة( ).
والصدمة في الاصطلاح أصله من مصطلحات علم النفس، ثم استعير في الجوانب الثقافية والفكرية والحضارية لوجود صلة ورابطة معنوية بين حالة الصدمة النفسية وحالتها الثقافية والحضارية، باعتبار أن كلا منها عبارة عن أزمة تحصل من حالة مفاجئة أو كثيفة شكلًا أو مضمونًا تورث اضطرابًا أوخللًا معينًا أو عقدة, أو تشوشًا وحيرة, قد تصل إلى حد فقدان التوازن, أو تغيير الاتجاه والتحول الحاد من حالة سابقة إلى حالة أخرى سلبية أوإيجابية, وتختلف مدتها ومداها, كما تختلف أسبابها ودواعيها، وتقع في الفرد وفي مجموع الأفراد كما تقع في المجتمعات والأمم.
وقد عرفت بعض معاجم الدراسات الإسلامية الصدمة الثقافية [CULTURE SHOCK] بأنها: (الأزمة الفكرية – النفسية التي يفترض أن يعانيها من يجدون أنفسهم في وسط, أوفي مواجهة ثقافة غريبة)( ).
في حين أن معجمًا آخر ترجم لفظ الصدمة ومعناها من كلمة [TRAUMA] أخذًا من أصلها اليوناني (تروما)، وتدل على الجرح, مع كسر يصاحب ذلك, جاعلا هذا هو أصل الكلمة, ثم اقتبسها التحليل النفسي من الطب بعدة معانٍ أهمها: صدمة عنيفة, كسر أو إصابة, ثم عرف المعنى النفسي بقوله: (الصدمة حدث عنفي في حياة الإنسان, يكون شديدًا ويكون المصاب «المصدوم» عاجزًا عن مواجهته بشكل مناسب, فيتعرض تنظيمه النفسي للاضطرابات وآثار دائمة مولِدة للأمراض النفسية)( )
ثم أشار إلى معنى آخر مقارب للسابق من وجهة نظر التحليل النفسي الفرويدي: (.. إذ تتسم الصدمة بفيض من الإثارات المفرطة التي تجعل المصدوم غير قادر على احتمالها, وتاليًا لا يملك الطاقة الكافية لاحتوائها وترصينها) .
ثم عرج على مرض (العصاب) موضحًا أن أسبابه ترجع إلى: (تجارب صدامية ماضية من سن الرشد إلى سن الطفولة – وتحتل فكرة الصدمة مكانة كبيرة في نظرية القلق, ذلك أن الأنا يواجه هجومًا داخليًا – إثارات نزوية, وخارجيًا – صدمات نفسية اجتماعية وجسدية).
ولعل من المناسب التأكيد هنا على أن قضية الصدمة الثقافية أوالحضارية هي قضية مركبة من عدة أسباب، وهي مختلفة من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى مجتمع، ولذلك نحاول تفادي الأحكام الإطلاقية المأخوذة أو المقتبسة من علم النفس أو علم الاجتماع أو من حقل الثقافة والمعرفة والفلسفة؛ لأن منظور الرؤية في كل من هذه العلوم مختلف باختلاف التخصصات, وهي اختلافات لا يمكن إغفالها, كما لا يمكن تجاوزها باعتبار أن الصدمة مركبة من عوامل عديدة نفسية واجتماعية وفكرية وحضارية, ويعنينا هنا الإشارة إلى مجموعة الظروف النفسية والاجتماعية والثقافية والحضارية التي تشكل هذه الأزمة أو الصدمة وتؤثر في مسارها صعودًا أو نزولًا سلبًا أو إيجابًا في الفرد أو المجتمع، على أنه لا ينبغي أن ينتهي بنا الأمر إلى إدانة المصدوم بإطلاق؛ ذلك أنه يوجد أناس منهم كانت الصدمة لهم إيجابية فأيقظتهم من سباتهم وأنارت لهم حياتهم كما حصل لعدد من الصحابة لما سمعوا القرآن, كما أن بعض المصدومين سلبا يصدرون في مواقفهم عن نوع من الالتزام الأخلاقي تجاه أوطانهم وأمتهم الكبيرة، فالقضايا التي تؤرقهم أوتدفعهم للبحث عن البدائل هي قضايا عامة تتعلق بالنهوض والارتقاء والتقدم والجودة الشاملة ونحو ذلك, وحتى بعض هذا الصنف من الناس (المصدومين) والذين يعانون من مشكلات خاصة لا يطرحونها من جهة كونها أزمة شخصية فقط, وإنما من جهة أنها أزمة عامة انعكست عليهم فأثرت فيهم.
وهذا القول لا يعني بالضرورة أنه لا يوجد فئة من المصابين بالصدمة الثقافية والحضارية أصبحوا ضحايا لتخريب مقصود, وتحولوا بسبب ذلك أوبغيره من الأسباب إلى مستلبين يعيشون حالة تبعية وإذعان للآخر, ولو كان ضد مصالح أوطانهم ومجتمعاتهم, فإننا لا نستطيع إنكار ما حدث في التاريخ وما يحدث في الواقع، وعلى أية حال فإن القضية برمتها مكونة من أنساق بالغة التعقيد، تقتضي التريث في إطلاق الأحكام على المصابين بالصدمة الحضارية؛ إذ ليسوا على الإطلاق عبارة عن (مجرد متمردين) يحاربون بدون قضية، كما أنهم ليسوا على الإطلاق (مجموعة من العملاء) والمحاربين الأوغاد أو الطابور الخامس، حتى وإن تطرف بعضهم في طرح القضايا التي اقتنع بها, كما أنهم –في الوقت ذاته– ليسوا روادًا مجددين أو مبدعين, أو (مجموعة من النبلاء المخلصين) أو (مجموعة من العقلاء المتكيفين حضاريًا).
ويمكننا في هذا المقام وصف السلوك بطريقة لا تستند إلى الانطباعات أوالقياسات الفاسدة, ورؤية ما خلف هذا السلوك, وما يمكن أن تؤول إليه الأفكار والممارسات.
إن قضية الصدمة الثقافية والحضارية تنطوي على الكثير من التداخلات والمؤثرات والمتناقضات, وهذا ما يقتضي أن تخصص لها دراسات متفرعة تتسم بالعمق والشمول في رصد الظاهرة ومعرفة أسبابها وأنواعها وكيفية الاستجابة لها, وأنماط التعامل معها, وغير ذلك من قضايا هي أوسع من هذا المدخل الذي هو محاولة لإضاءة بعض الجوانب.
ولعل من المناسب الآن الإشارة إلى أهم المؤثرات التي بسببها تحصل الصدمة الحضارية والثقافية في فرد معين أوفي مجتمع أو أمة من الأمم, وهذه المؤثرات تختلف درجة تأثيرها من شخص لآخر، ومن حال إلى حال, ولا ندعي أنها حصرية،

وإنما يمكن القول بأنها الأظهر والأشهر وهي:
1- المؤثر العمري.
2- المؤثر النفسي.
3- المؤثر الاجتماعي.
4- المؤثر الثقافي.
5- المؤثر الحضاري.
6- مؤثرالقوة والغلبة.
وقد توجد مؤثرات أخرى لكنها –في تقدير الباحث– أقل تأثيرًا من هذه الأسباب الستة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى