حركة اللوديين ومن شابههم

كانت اضطرابات اللوديين حركة اجتماعية جراء صدمة المصانع الحديثة, بدأها بعض تنظيمات غازلي الجوارب في عدة مناسبات منذ عام 1675م واشتدت حدتها عندما قام حرفيون في الغزل والنسج في بريطانيا بثوراتهم في عام 1811م واستمرت خلال بدايات القرن التاسع عشر, في خضم أزمة اقتصادية عنيفة عاصرت الحروب مع نابليون. وكان الاعتراض الأساسي هو إدخال ماكينات عريضة الإطار يمكن تشغيلها بعمال غير مهرة نسبيا وبأجور متدنية, مما أدى إلى انتشار البطالة بين عمال الغزل والنسيج الذين شكلت هذه المصانع لهم حالة صدمة. ولفترة قصيرة واجه اللوديون الجيش البريطاني ودخلوا معه في عدة معارك مما أدى إلى محاكمات جماعية عام 1812م في يورك (York), وتنفيذ عدة أحكام بالإعدام ونفي العديد منهم( ). ولقد ثار اللوديون ضد التغيرات الصادمة التي نجمت عن الثورة الصناعية والتي هددت أرزاقهم؛ ولهذا يطلق لقب اللودي على كل ما يعارض أي تغيير فني أو تقدم تقني, على أساس تداعي تلك التغيرات وتكوينها لصدمات ثقافية واجتماعية واقتصادية, أما الحركة الحديثة ضد التقدم في التقنية فيسمى القائمون بها اللوديون الجدد( ).
ولقد بدأت حركة اللوديين في “نتنجهام” (Nottingham) عام 1811م وانتشرت بسرعة هائلة في انجلترا في الفترة 1811 – 1812م, حيث جرى تحطيم العديد من طواحين الصوف والقطن حتى قامت الحكومة البريطانية بقمع الحركة بعنف. ولقد اجتمع اللوديون في الليل في الأدغال والمستنقعات المحيطة بالمدن الصناعية, ليمارسوا التدريبات والمناورات, متمتعين بدعم السكان المحليين. وكانت مواقع الاضطرابات الرئيسة في “نتنجهام شير” (Nottinghamshire) في نوفمبر 1811م, تبعتها الاضطرابات في “وست رايدنجبيوركشير”(West Riding of Yokshire) في بدايات 1812م و “لانكشير” (Lancashire)في مارس 1813م. ولقد اندلعت المعارك بين اللوديين والقوات المسلحة في طاحونة “برتون”(Burton) في “ميدلتون” (Middleton) وفي طاحونة “وستهوتون”(Westhoughton)؛ وكلاهما في لانكشير. وقد أشيع آنذاك أن عملاء الحكام المحليين أو الماجسترات(Magistrates) كانوا وراء التحريض على الهجمات( ).هذا رغم أن الحكام وتجار الأطعمة كانوا معرضين للتهديد بالموت وهجمات الملك “لد” وداعميه. ولقد بنى أصحاب المصانع غرفا سرية وأنفاقا في مبانيهم للاختباء من الغوغاء الذين تحركوا مع المجموعات اللودية ضد صدمة تقنيات المصانع الحديثة( ).
إن تحطيم الماكينات كعملية تخريب صناعي أصبحت جريمة رئيسة يعاقب عليها بالموت؛ رغم معارضة القليل من الناس مثل اللورد “بيرون” الذي دافع عن اللوديين وتم إعدام 17 منهم في محاكمة في يورك عام 1813م ونُقل الكثير منهممساجين إلى استراليا. وفي فترة من تلك الحقبة كان عدد العسكريين البريطانيين المنشغلين بحروب اللوديين أكبر بكثير من الذين كانوا يحاربون نابليون الأول في شبه جزيرة ليبريا( )، وللمقارنة السريعة يمكن القول بأنه لم يحدث في أي بلد من بلدان المسلمين شيء من هذا القبيل مطلقاً, وغاية ما حصل اعتراض بعض المسلمين على بعض التقنيات إما لذاتها وهذا قليل, وإما لما يخشونه مما يترتب عليها من مفاسد وهذا هو الأغلب ولكنه – رغم ذلك – لم تحدث أية حوادث من النوع المذكور آنفاً, ومما سيأتي ذكره لاحقا.
ولقد تحرش اللوديون “بوليام هورسفال” (William Horsfall)مالك مصنع نسج في “كروسلاند مور” (CroslandMoor) في مقاطعة “هدرسفيلد” (Huddersfield) وتم إعدام المسؤولين عن الحادث في يورك؛ ثم خفّت حدة الاشتباكات عقب ذلك, غير أن من الممكن النظر إلى حركة اللوديين على أنها جاءت نتيجة صدمة حضارية واقتصادية أدت إلى تضرر الطبقة العاملة الإنجليزية في بدايات القرن التاسع عشر. ومثال ذلك ثورة “بنتريتش” (Pentrich) عام 1817م والتي قادها “جريمايابراندريث” (Jeremiah Brandreth) الذي عرف بكابتن نتنجهاموكان يعمل في صناعة الجوارب في “ساتون إن آشفيلد” (Sutton-in-Ashfield) في مقاطعة “نتنجهامشير” ثم فقد عمله ويقال انه كان من اللوديين( ). وكذلك اضطرابات سوينج (Swing) التي قام بها المزارعون عام 1830م واجتاحت جنوب وغرب انجلترا حيث حطموا ماكينات درس الحنطة.
وهناك ثورة “بنتريك” فقد قابل “جريمايابرانريث” شخص اسمه “ويليام أوليفر” (Oliver) المشهور “بويليام الجاسوس” في مايو 1817م واتفقا على الشراكة في خطة للانضمام إلى خمسين ألف رجل في لندن ومهاجمة برج لندن.
وهناك من يرى أن اللوديين كانوا في حالة صدمة مع الجديد ولذلك كانوا يوظفون الأساليب العسكرية لاحتكار الإنتاج لمصالحهم المالية من خلال التخريب والترويع, كما أن هناك من مؤرخي الاقتصاد التقليديين الجدد من يرى التشابه بين معارضة اللوديين للسوق الحرة ومعارضة التقدم التقني؛ إذ إن التقدم الذي أنتج التحديث, وخاصة مستوى المعيشة المرتفع في الدول الصناعية كان نتيجة استخدام التقنية للمكاسب الخاصة, والسعي وراء المكاسب الخاصة من خلال مجال التخصص, أدى إلى نتائج تراكمية, وتداعيات مختلفة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى