الصدمات من حيث التأثير

أما أنواع الصدمات من حيث التأثير فهناك صدمة الضعيف بالقوي وهذا هو الأغلب والأظهر والأشهر, وأمثلته كثيرة, وهناك صدمة القوي المنتصر بالضعيف المغلوب وهو ما يمكن تسميته بالصدمة العكسية. ومن أبرز أمثلة هذا القسم ما حصل إبان الحملات الصليبية التي تمكن النصارى فيها من الاستيلاء العسكري على فلسطين وكثير من بلاد الشام, وكانت هذه الحملات من القسوة والصلف والعنف والإسراف في القتل والنهب ما يفوق الوصف, لكن الذي حصل أن الصليبين لما استولوا على البلاد الإسلامية في الشام ومصر صدموا صدمة حضارية كبيرة, فقد فوجئوا أن المدن الإسلامية الصغيرة في محيط الحضارة الإسلامية هي أكبر بكثير من روما التي كانت عاصمة الحرب المقدسة ضد المسلمين, وعاصمة الحضارة الأوروبية آنذاك, بل اكتشفوا أن أكبر حواضرهم وهي روما وبيزنطة إذا قورنت بالمدن الإسلامية كبغداد والقاهرة ودمشق وقرطبة فإنها لا تعدوان أن تكونا ضاحيتين صغيرتين أمام هذه المدن الكبيرة, وصدموا بالمكتبات الكثيرةوالضخمة التي توجد فيها أنواع العلوم منتشرة في المدارس والجوامع, بل حتى في بعض المنازل, في الوقت الذي لم يكونوا يعرفون سوى الإنجيل وبعض الكتب المتعلقة به, وصدموا بالتقسيمات المدنية للمدن والخدمات الموجودة فيها, والحمامات والمستشفيات والصيدليات, وغير ذلك مما لم يكن له نظير عندهم, وصدموا كذلك بوجود النصارى واليهود يعيشون منذ الفتح الإسلامي آمنين مطمئنين في بلاد المسلمين. ولم تحصل لهم محاكم تفتيش ولا حرب إبادة كما كان الصليبيون يفعلون؛كل ذلك وغيره أوجد صدمة حضاريةمعاكسة( ).
وقريب من ذلك بل ربما أبلغ منه ما حصل للمغول الغزاة الذين تحولوا من كفار وثنيين إلى مسلمين موحدين, حتى إن أحفاد ألئك الغزاة الوثنيين أصبحوا بعد إسلامهم فاتحين ،وقاتلوا أهل الأوثان وفتحوا كثيرا من بلاد الهند وأدخلوا الإسلام إليها.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى