المفاهيم الكبرى للمرجعية
وعند التأمل في مضامين هذه المرجعية وتفكيكها إلى عناصرها الأولية سنجد أنها تضم مجموعة من المفاهيم الكبرى وأهمها:
(الإيمان بأن العالم كله مادة) وهذا يشمل عدة قضايا كبرى:
1- اعتبار المادة هي الحقيقة الوحيدة، وعليه فكل موجود فهو مادي، أو يعتمد كلية في وجوده على المادة.
2- أن كل ما يبدو وكأنه ليس مادة مثل الروح والعقل والنفس والوجدان وما يتبع ذلك من ظواهر نفسية أو أخلاقية أو اجتماعية أو اقتصادية إنما هي في واقع الأمر مادة، وإنما يفسرها الوجود المادي، لأن كل التغيرات لها سبب مادي، ولذا فإن التفسيرات المادية – عند أصحابها – هي وحدها الممكنة والصحيحة.
– أن الواقع الموضوعي يتكون في حقيقته من مركبات مادية متناهية في الصغر من حيث الحجم، ومتحركة حركة دائبة، وكل ما في الوجود فهو إما هذه المركبات بذاتها، أو أشياء مكونة منها أو علاقات بينها، وما عدا ذلك فلا وجود حقيقي له.
أما (الإيمان بأزلية المادة واعتبارها ذاتية الوجود) فهو مفهوم (مطلق) قائم على أساس أن المادة علة ذاتها ومكتفية بذاتها، ولا تخضع لأية قوة خارجها، ولا يوجد سبب أو محرك خارج الكون لأن (المادة) عبارة عن نظام واحدي مغلق مكتف بذاته، توجد في داخله مقومات حياته وحركته، بل ويحتوي في باطنه على كل ما يلزم لتفسيره وفهمه، وهذا النظام المادي الأزلي ضروري كلي شمولي تنضوي كل الأشياء تحته ولا يمكنها أن تخرج من قبضته.
أما كون (حركتها أزلية) فهذا أصل ومنطلق القول بالصيرورة الدائمة وأنه لا ثبات مطلقاً، فكل شيء في حالة تغير مستمر، ضمن المسار اللانهائي للحياة.
أما كون (المادة لا تفنى ولا تستحدث من العدم) فهو في مقتضيات الإيمان بأنه لا وجود لجوهر غير المادة ، ومن لوازم الاعتقاد بأزلية المادة ، ولكن تخصيص هذه العبارة يأتي غالباً في سياق إجابة الماديين( )على سؤال من يسأل عن أسباب تغير الظواهر المادية وتبدلها وتنوع تجلياتها، ومن يسأل عن عدم حصول النتائج رغم وجود الأسباب المادية الموجبة للنتيجة، ومن يتحدث عن تنوعات السلوك الإنساني بأشكال غير متوقعة.
وتأتي عبارة (المادة لا تفنى ولا تستحدث من العدم) أيضا عند الحديث عن (الطاقة) بوصفها – عندهم – مادة مرتبطة بشبكة سببية صلبة مترابطة شاملة مكتفية، ليست في حاجة إلى من يوجدها من العدم؛ لأنها بذاتها (جوهر مطلق) غير معتمدة على من يوجدها أو هو يعطيها الحركة والفاعلية، فحركتها وفاعليتها في ذاتها، وهي حركة دائبة مستمرة أبدية لا يتطرق إليها الفناء، وهذه مفاهيم مادية بحتة وإن حاول بعض المتأثرين تلميعها بتفسيرات تضفي عليها نوعاً من القبول.
أما كون المادة (لها قوانين آلية كامنة فيها تخضع لها كل الموجودات خضوعاً حتمياً) فهذا نتاج القول بأن الواقع الموضوعي للكائنات سواء أكانت أجساماً جامدة أو كائنات حية أو جماعات بشرية لها طبيعة مركبة من لبنات مادية، وهذا التركيب محكوم بقوانين ذاتية آلية مطردة وحتمية، ولذلك وجب أن يبحث الناس عن تفسير لكل الظاهرات والتجليات النفسية والاجتماعية والحيوية والفيزيائية في أسباب ضمن هذا الكون المادي فقط، لأن هذا الكون وما فيه مكتف بنفسه غير محتاج إلى قوة خارجية تخلقه أو تدبر أمره أو ترسم مساره.