مصادر وأدلة المرجعية المادية
بعض المختصين في دراسة المادية قسم المادية في مستنداتها إلى قسمين :
الاول: المادية الصلبة وتستند إلى العقل الإنساني مطلقا ،أي أنها تستند إلى العقلانية المادية المطلقة، ومعناها أن العقل مستقل بذاته ،قادر على إدارك الكليات،و قادر على التفاعل مع الطبيعة بشكل فعّال، والوصول للقوانين الكامنة في المادة، وتجريدها على هيئة قوانين عامة، يمكنه من خلالها أن يطوّر منظومات معرفية وأخلاقية، ودلالية وجمالية تهديه في حياته، وعلى أساسها يفهم ماضيه وحاضره ومستقبله،ويفسر ما يحدث، دون حاجة لوحي أو غيب خارجي، فالواقع عند أصحاب هذه المادية واقع كلٌّي متماسك مترابطة أجزاؤه برباط السببية الصلبة، والعقل يدرك هذا الكلّ المتماسك الثابت، ويدرك أن حركة الأجزاء ليست إلا تعبيرًا عن هذا الكلّ الثابت الموجود في الواقع.
الثانية: المادية السائلة وهي التي ينفي أصحابها الاستناد إلى أي شيء ثابت لا عقل ولا غيره، فهي مادية تخضع للصيرورة الدائمة، كما تلغي كل الثنائيات والحدود والكلّيات والثوابت، وأي شكل من أشكال الصلابة، وهي ترفض فكرة الأساس؛ لأن فكرة الأساس في ذاتها-عندهم- هي جوهر الميتافيزيقيا، وهم يعتبرون أن المادية في حقيقتها ما قامت إلا لتكون ثورة ضدّ الميتافيزيقيا، سواء كانت الميتافيزيقيا الإيمانية ، أو الميتافيزيقيا المادية التي فيها نوع إيمان بالثبات والتجاوز والإنسانية، وتؤمن بقدرة العقل على إدراك الواقع وتجريد قوانينه.
والمادية الجديدة جاءت لتثور على العقلانية المادية التي قامت عليها المادية القديمة، وأكّدت بمجيئها أن العقل في حالة حركة دائمة وتغيّر مستمر، وهو غير قادر على الوصول للواقع والتفاعل معه؛ لأن العلاقة التفاعلية التبادلية بين العقل والطبيعة، والتي تشكّل جوهر المادية القديمة علاقة غير راسخة
وعند التأمل في هذه المادية السائلة نجد أنها استندت إلى العقل حتى في نفيها لأي مستند ثابت، فحقيقتها الاستناد إلى العقل وإن نفت مركزيته، وهذا ضرب من السفسطة ، وقول أصحاب المادية الجديدة أشبه بقول السوفسطائين القدامى.