وثاقة أدلة المرجعية:

كلما كانت المرجعية أقوى دليلاً وأكثر تنوعاً وثراء في الأدلة كلما كان ذلك أدعى للالتزام بها وتمثلها في الحياة، وكلما كان دليلها ضعيفاً أو كان محصوراً في أنواع قليلة كلما كان ذلك أدعى لقلة الاستمساك بها وضعف الأخذ بمقتضياتها، وهذه القوة أو الضعف في أدلة المرجعية قد تكون في ذاتها فالباطل ضعيف المستند وإن انتفش وادعى وتزخرف والحق قوي المستند في ذاته، وقد تكون بسبب معرفة الإنسان أو جهله، فكم من مضاد للحق بسبب الجهل والظلم القائم بذاته.
والأدلة اليقينية المقنعة تشرح صدر صاحبها وتنير فكره وتطمئن قلبه، أما إذا لم يهتد لذلك فهو إما لعدم بلوغ الأدلة له، أو لعناده وجحوده أو لإعراضه واستكباره.
وقل مثل ذلك عن الإيجابية والسلبية والفردية والجماعية والالتزام والتحرر فإن البراهين العقلية والفطرية والحسية والشرعية تجعل كل واحدة من هذه المتقابلات في مكانها الصحيح باعتبارها جزءاً من الكينونة الإنسانية، فمن علم ذلك وعمل بمقتضاه حصلت له اللذة والنعيم الكامل والسعادة التامة والمنفعة العظيمة والخير الكبير، ومن لم يقبل ذلك حصل على الألم والشقاء والمضرة، والشر الكبير، وليس هذا في شيء من المرجعيات سوى (المرجعية الإيمانية الصحيحة) حيث أنها أقوى العلوم دليلاً وأوثقها برهاناً إذ يتظافر في إثباتها صرائح العقول وبدائه الفطر وأدلة الحس والنقل الصحيح المتلقي بالأسانيد الموصولة الثابتة، وهذا لا يوجد في غير المرجعية الإيمانية الصحيحة, لاشتمالها على الأدلة الموثقة وبمصادرها المتنوعة.
ومن المعلوم أن أصحاب كل مرجعية يرون أن مرجعيتهم تستند إلى أدلة قوية وتقوم على براهين وإلا لما تبعوها وآمنوا بها، ولكن ذلك وحده غير كافي في الحكم على المرجعيات، لأن مجرد الدعوى وميولات النفس وألف الطباع وإرث الآباء والأجداد ليست أدلة، ولا تعتبر عند العقلاء ميزاناً للتمييز بين الحق والباطل، ولو أن أحداَ قال بذلك فإنه سيقع حتماً في شراك النسبية المعرفية المفضية إلى العدمة والمقتضية للمساواة المطلقة بين الأمور المتناقضة، فيصبح على سبيل المثال عابد البقر مساوياَ لمن يعبد الله تعالى، وتصبح أدلة الحس مساوية لأوهام الوثنيين، وتتساوى أدلة الوحي المعصوم مع أوهام المادية الجدلية، وهذا كله منافياَ لحقائق الأمور ومناقض للعقل، ومبطل لأسباب التمييز بين الحق والباطل والخير والشر والفضيلة والرذيلة، والهدى والهوى والبصيرة والعمى.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى